سوريا بين السلم الأهلي وإعادة البناء.. الإعلام والشباب في قلب التحول الوطني

الثورة – مها دياب:

في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، وبعد سنوات من الألم والشتات، تقف البلاد اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، تتطلب من الجميع إعادة النظر في مفاهيم العيش المشترك، والانتماء، والمواطنة.

لقد دفعت سوريا ثمناً باهظاً للنزاع، ليس فقط على مستوى البنية التحتية، بل على مستوى العلاقات الإنسانية، والنسيج الاجتماعي، والثقة بين مكونات المجتمع، ونحن اليوم مع بداية التعافي، الذي يبرز السلم الأهلي كأولوية وطنية لا يمكن تجاوزها، فهو الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل سوريا الحرة، وهو الشرط الأول لأي مشروع تنموي أو إعادة إعمار حقيقي.

في هذا السياق، تتقاطع أدوار الإعلام والشباب والتعليم والثقافة، لتشكل منظومة متكاملة قادرة على ترميم ما تهدم، وبناء ما تأخر، وتجاوز ما فرض من انقسامات. فالإعلام اليوم لم يعد ناقلاً للخبر فقط، بل بات صانعاً للوعي، والشباب ليسوا مجرد فئة عمرية، بل هم طاقة وطنية كامنة، والتعليم والثقافة ليسا ترفاً، بل هما أدوات بناء الإنسان السوري الجديد.

مدير إعلام ريف دمشق عبد الرحمن طفور في حديث لـ”الثورة”، يضع بين أيدينا رؤية متكاملة حول السلم الأهلي، ودور الإعلام والشباب في إعادة بناء سوريا، مستنداً إلى تجربة ميدانية ومعايشة حقيقية لنبض المجتمع السوري في مرحلة ما بعد التحرير.

عوامل تهدد السلم الأهلي

وقال طفور: إن السلم الأهلي في سوريا لا يزال يواجه تحديات عميقة، بعضها ظاهر وبعضها متجذر في البنية النفسية والاجتماعية التي خلفها النظام البائد، الذي اعتمد على سياسة ممنهجة لتفتيت المجتمع السوري، عبر نشر خطاب الكراهية والتحريض على أسس طائفية وقومية وسياسية، بهدف خلق حالة من الانقسام الدائم تبرر وجوده كـ”مدافع” عن الشعب.

وأكد أن هذه السياسات لم تكن عشوائية، بل كانت مدروسة لتقويض أي إمكانية للتعايش أو التفاهم بين مكونات المجتمع، مما أدى إلى هشاشة في العلاقات المجتمعية، وانعدام الثقة بين الأفراد والجماعات، وشدد على أن آثار هذه المرحلة لا تزال حاضرة، وتتمثل في انتشار الشك، والخوف، والانغلاق، وهي عوامل تهدد السلم الأهلي حتى بعد التحرير.

وبين أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة خصبة لنشر الشائعات والأخبار المضللة، التي تؤجج التوترات وتعيد إنتاج الانقسامات، مشيراً إلى أن هذه المنصات تستخدم أحياناً كأدوات لتصفية الحسابات أو لترويج خطاب الكراهية، مما يزيد من تعقيد المشهد الاجتماعي ويهدد الاستقرار الداخلي.

الإعلام وتعزيز ثقافة السلام

وأكد طفور أن الإعلام في أي دولة هو واجهتها وصورتها أمام شعبها وأمام العالم، وكل إعلام حر ونزيه ومتوازن هو إعلام قريب من المواطن، يعكس همومه ويعبر عن تطلعاته، وأن الإعلام السوري اليوم أمام مسؤولية تاريخية، تتمثل في إعادة بناء الثقة بين الناس، وتعزيز ثقافة السلام، ونبذ الكراهية، وتقديم محتوى يرتقي بالوعي الجمعي.

وشدد على أن الإعلام يجب أن يبتعد عن التحريض، وأن يعطي مساحة للأصوات المعتدلة، التي تدعو إلى الحوار والتفاهم، لا إلى الصراع والانقسام، موضحاً أن الإعلام قادر على تشكيل الرأي العام، وتوجيهه نحو قيم التسامح والتعايش، إذا ما التزم بالموضوعية والمهنية والشفافية. وفي هذا السياق، بين أن الإعلام يجب أن يكون خط الدفاع الأول ضد الأخبار الكاذبة والمضللة، من خلال التحقق السريع من المعلومات، وتصحيح المغالطات، وتقديم الحقائق بلغة واضحة ومسؤولة.

وأضاف: إن الإعلام ليس مجرد ناقل للحدث، بل هو شريك في صناعة السلام، وصوت للعقلانية، ومنصة للحوار الوطني.

الشباب ودورهم

وعبر طفور عن قناعته بأن الشباب السوري هم الفئة الأكثر مرونة وحماسة لبناء مستقبل سوريا، وهم من دفعوا الثمن الأكبر في سنوات النزاع، حيث سرقت منهم الأحلام، وتعرضوا للتهميش، والإقصاء، والحرمان من فرص الحياة الكريمة. وأكد أن الحرية أعادت الأمل، وأعادت فتح أبواب المستقبل أمامهم، لكن هذا لا يكفي، فتمكينهم يتطلب خطوات عملية وجادة، موضحاً أن تمكين الشباب يبدأ بتوفير منصات حقيقية للتعبير عن آرائهم، بعيداً عن الرقابة أو التوجيه، ويشمل تدريبهم على مهارات الحوار، وحل النزاعات، والعمل الجماعي، إضافة إلى إشراكهم في مبادرات ومشاريع مجتمعية تركز على التعاون والتكامل بين مختلف الفئات.

وشدد على أن الشباب ليسوا فقط متلقين للرسائل، بل هم صانعوها، وهم قادرون على قيادة التغيير إذا ما أُعطيت لهم الفرصة، وإذا ما تم الاستثمار في قدراتهم ومواهبهم. وبين أن السلم الأهلي لا يتحقق إلا إذا شعر الشباب بأنهم جزء من الوطن، وأن صوتهم مسموع، وأن مستقبلهم مضمون.

السلم الأهلي وإعمار سوريا

شدد الإعلامي طفورعلى أن السلم الأهلي هو الأساس الذي يبنى عليه أي مشروع إعمار، ومن دون بيئة آمنة ومستقرّة يسودها الاحترام المتبادل، فإن أي جهد لإعادة الإعمار المادي سيبقى هشاً وقابلاً للانهيار، مبيناً أن الإعمار لا يقتصرعلى إعادة بناء الطرق والجسور والمباني، بل يشمل إعادة ترميم الثقة بين السوريين، وإعادة بناء العلاقات الإنسانية التي تهدّمت بفعل الحرب والانقسام.

كما أكد أن الإعمار الحقيقي يبدأ من الإنسان، من قدرته على التعايش، ومن إيمانه بأن الوطن للجميع، ومن استعداده للمشاركة في البناء، لا في الهدم، مضيفاً: إن السلم الأهلي هو الشرط الأول لأي تنمية مستدامة، وهو الضمانة الوحيدة لعدم تكرارالمأساة.

أولويات البناء الوطني

وتحدث مشدداً على أن الشباب السوري اليوم يبحث عن مقومات الحياة الكريمة، ويريد بلداً حراً يحفظ كرامته، ويؤمّن له فرص العمل والتعليم والصحة، بعيداً عن المحسوبيات والفساد الذي زرعه النظام البائد.

وأوضح أن أولوياتهم تتمثل في بناء دولة مدنية حديثة، تحترم الكفاءات، وتكافئ الجهد، وتفتح المجال أمام المبادرات الفردية والجماعية، لافتاً إلى أن الشباب يطمح إلى بيئة آمنة ومستقرة، تتيح له التعبيرعن نفسه، والمشاركة في صنع القرار، والمساهمة في بناء الوطن.

وبيّن أن هذه الطموحات ليست رفاهية، بل هي حقّ مشروع، وهي أساس أي مشروع وطني ناجح.

الإعلام المحلي

وبيّن أن الإعلام المحلي يواجه تحديات كثيرة، أبرزها ضعف الإمكانيات، وقلة التدريب، وضغط المرحلة الانتقالية، لكنه رغم ذلك يسعى لإنتاج محتوى مسؤول وهادف، يعكس نبض المجتمع، ويواكب عملية إعادة البناء، مؤكداً أن الإعلام كما البلاد في مرحلة الإعمار، يبني نفسه بنفسه، ويحتاج إلى دعم حقيقي ليتمكن من أداء دوره.

ونوه بأن هناك تجارب عديدة إيجابية تثبت أن الإعلام المحلي قادرعلى مواكبة إعادة البناء بشكل مسؤول، إذا توافرت الإرادة المهنية، والدعم اللازم، والتدريب المستمر.

وأضاف أن الإعلام يجب أن يكون شريكاً في التنمية، لا مجرد ناقل لها، وأن يكون صوتاً للمجتمع، لا صدى للسلطة.

تشكيل الوعي المجتمعي

وحول تشكيل الوعي المجتمعي أكد على أن الإعلاميين الشباب يمتلكون ميزة القرب من هموم جيلهم، وقدرتهم على استخدام أدوات الإعلام الرقمي للوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع، لافتاً إلى أن دورهم لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد إلى تحفيز النقاشات، وتقديم نماذج إيجابية، وتشجيع العمل المشترك بين مختلف فئات المجتمع.

وشدد على أن الإعلاميين الشباب قادرون على تشكيل وعي جديد، يقوم على الحوار، والتسامح، والانتماء، ويبتعد عن الانغلاق والتعصب، وأن تمكينهم يتطلب توفير بيئة إعلامية حرة، ومساحات للتجريب، وفرص للتدريب والتطوير.

وأكد طفور أن التعايش المشترك بين مختلف أطياف المجتمع السوري ليس خياراً بل ضرورة وطنية، وهو الأساس الذي يبنى عليه مستقبل سوريا بعد سنوات من النزاع والانقسام، مشيراً إلى أن المجتمع السوري يتميز بتنوعه الثقافي والديني والمناطقي، وهذا التنوع يجب أن يُنظر إليه كقوة لا كتهديد، وكفرصة للثراء المجتمعي لا كسبب للتفرقة.

وشدد على أن ترسيخ ثقافة التعايش يتطلب تجاوز ثقافة الثأر والحقد، التي غذّاها النظام البائد لسنوات طويلة، عبر سياسات الإقصاء والتحريض، مشيراً إلى أن جميع السوريين أبناء وطن واحد، وأن سوريا لا يمكن أن تنهض إلا بجميع مكوناتها، من دون استثناء أو تهميش.

في هذا السياق، بيّن أن التعايش لا يعني فقط قبول الآخر، بل يعني احترامه، والتفاعل معه، والعمل معه من أجل مصلحة مشتركة.

وأضاف: إن قوة المجتمع تكمن في تعدده، وأن هذا التعدد هو شرط أساسي لإعادة الإعمار، لأنه يضمن مشاركة الجميع في البناء، ويمنع إعادة إنتاج الانقسامات التي مزقت البلاد.. والتعايش المشترك يجب أن يتحول إلى ممارسة يومية، تبدأ من البيت، وتُغذّى في المدرسة، وتُكرّس في الإعلام، وتترجم في السياسات العامة، مشيراً إلى أن بناء سوريا الجديدة يتطلب إعادة بناء العلاقات بين الناس، على أساس الاحترام والثقة والتعاون.

الخطاب الإعلامي

إن الإعلام يلعب دوراً محورياً في تعزيز قيم الحوار والتسامح، من خلال تقديم نماذج إيجابية، وفتح مساحات للنقاش، وطرح الرأي والرأي الآخر تحت سقف الوطن، هذا ما أكد عليه طفور ويجب أن يكون منصة للحوار الوطني، لا ساحة للصراع، وأن عليه مسؤولية كبيرة في تهدئة النفوس، وتوجيه الخطاب العام نحو البناء لا الهدم.

مشدداً على أن الإعلام يجب أن يتبنى خطاباً جامعاً، ويشجع على التفاهم والتسامح.فالإعلام قادر على تغيير المزاج العام، وتشكيل الوعي الجمعي، إذا ما التزم بالمهنية والموضوعية والإنسانية، وأن الإعلام يجب أن يطرح المشكلات ليعالجها، ويعطي مساحة للأفكار المختلفة، من دون أن يسمح بتحويل المنصات الإعلامية إلى أدوات للتحريض أو التشهير.

وأضاف أن الحوار النزيه والشفاف هو أساس الحل، وأن الإعلام يجب أن يكون صوتاً للعقل، لا صدى للانفعال.

التعليم والثقافة

إن التعليم هو حجر الأساس في بناء الشعوب، وأنه يجب أن يلعب دوراً محورياً في ترسيخ مفاهيم التعايش المشترك لدى الأجيال الجديدة، موضحاً أن المناهج الدراسية يجب أن تعيد صياغة مفاهيم المواطنة، والانتماء، والاحترام المتبادل، وأن تدرس تاريخ سوريا بتعدديته الجامعة.

وشدد على أن التعليم يجب أن يساعد الأطفال ويعلمهم كيف يفكرون، لا ماذا يفكرون، وأن يعزز فيهم روح النقد، والتسامح، والتعاون، بدلاً من التلقين والانغلاق، وأن المدرسة يجب أن تكون فضاءً للتنوع، ومكانًا للتفاعل، وأن تشجع على الأنشطة التي تجمع الطلاب من مختلف المناطق.

كما أكد أن الثقافة هي مفتاح النهضة، وأنها تلعب دوراً مهماً في تعزيز الهوية الوطنية الجامعة، من خلال الفنون والآداب والموسيقا والمسرح، مشيراً إلى أن الأنشطة الثقافية التي تجمع الشباب من خلفيات متنوعة تُسهم في بناء جسور التفاهم، وتكرس قيم التعايش.

وأوضح أن الثقافة ضرورة وطنية، وأنها قادرة على إعادة تشكيل الوعي، وتجاوز آثار الحرب، وبناء مجتمع متماسك، متنوع، متسامح، قادر على مواجهة التحديات بروح جماعية.

سوريا تبدأ من الإنسان

وختم طفور حديثه: سوريا اليوم تقف أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء نفسها، ليس فقط بالحجر والإسمنت، بل بالثقة، والمحبة، والانتماء، والتعايش، مؤكداً أن السلم الأهلي هو الأساس الذي يجب أن يبنى عليه كل شيء، وأن الإعلام والشباب والتعليم والثقافة هم ركائز هذا البناء، وهم أدوات التحول الحقيقي نحو سوريا الجديدة.

وشدد على أن إعادة الإعمار لا تبدأ من المشاريع الكبرى، بل من العلاقات الصغيرة، من نظرة الاحترام، من كلمة التسامح، من فعل التعاون، من قرار المشاركة، وأن سوريا تستحق أن تبنى على أسس العدالة، والمساواة، والتعدد، والتسامح، وأن هذا لا يتحقق إلا إذا آمنا جميعاً بأننا أبناء وطن واحد، وأن المستقبل يبدأ من الآن.

وختم بالقول: “سوريا ليست مجرد جغرافيا، إنها قصة شعب، وإرادة حياة، وحلم لا يموت.. فلنكتب هذه القصة معاً، بحروف الأمل، وجمل التعايش، وفقرة البناء، وعنوان السلم الأهلي.”

آخر الأخبار
حلب تبحث عن موقعها في خارطة الصناعات الدوائية  الرئيس الشرع يصدر المرسوم 143 الخاص بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب مدير المخابز لـ"الثورة": نظام إشراف جديد ينهي عقوداً من الفساد والهدر زيادة غير مسبوقة لرواتب القضاة ومعاونيهم في سوريا  الشيباني يبحث مع نظيره اليوناني في أثينا العلاقات الثنائية وقضايا مشتركة عاملة إغاثة تروي جهودها الإنسانية في سوريا ريف دمشق تستعيد مدارسها.. وتتهيأ للعودة إلى الحياة حماية التنوع الحيوي وتحسين سبل العيش للمجتمعات المحلية في البادية تحسين واقع الثروة الحيوانية في القنيطرة استئناف الصفقات الضخمة يفتح آفاقاً أوسع للمستثمرين في سوريا    اتوتستراد درعا- دمشق.. مصائد الموت تحصد الأرواح  تفريغ باخرة محملة بـ 2113 سيارة في مرفأ طرطوس وصول باخرة محملة بـ 7700 طن من القمح إلى مرفأ طرطوس تحميل باخرة جديدة بمادة الفوسفات في مرفأ طرطوس اليوم شوارع حلب بين خطة التطوير ومعاناة الأهالي اليومية المربون يطالبون بالتعويض.. خسائر كبيرة تطول مزارع الأسماك في اللاذقية الزراعة المحمية في منبج.. خطوة لتعزيز الإنتاج الزراعي وتحسين دخل الفلاحين تخفيض الراتب السنوي لمعوقي الشلل الدماغي في طرطوس محليات..بعد نشر "الثورة" تحقيقاً عنه.. مشروع ري الباب وتادف في صدارة أولويات الإدارة المحلية المدارس الخاصة في طرطوس عبء على الأهالي