الثورة – أيدا المولى:
لمجرد أن تعرف أن أي وسواس هو قهري فهذا يعني أن في الأمر تراكمات نفسية على مدى سنوات طويلة قهرت هذا الإنسان، فكيف إذا كان الوسواس هو النظافة حتى لو كان بيت المريض نظيفاً؟
تعرفت عن قرب على إحدى المريضات التي كان لديها – هوس النظافة الذي يعتبر أحد مظاهر الوسواس – تحدثت وقالت: لست مريضة لكن مشكلتي الأساسية هي الخوف من التلوث وأرى أن معظم الأمراض والأوبئة التي تنتشر يرجع سببها إلى أن كثيراً من الناس لا تتبع قواعد النظافة العامة وبالتالي فأنا أرغب بالبقاء بعيداً عنهم. واستفزتني هذه الحالة عندما قالت: عند انتشار الكورونا ما هو أهم عامل للوقاية منه؟ ألم يكن النظافة؟ واستذكرت أمراً آخر وهو موت النساء بعد الولادة بساعات بسبب حمى النفاس التي اكتشف فيما بعد أن سبب الحالات الكبيرة من الوفيات هو عدم تعقيم الأطباء أيديهم بمادة الكلور منعاً من انتقال الأمراض وذلك في أربعينيات القرن ال19 أليس سبب ذلك هو عدم النظافة؟
ومن مظاهر هذا الهوس، رغبة الشخص المصاب به الوقوف مطولاً على المغسلة والاستحمام بشكل مبالغ به وكأنه يشعر أن الاتساخ تحت أدمة الجلد لا يزول ببساطة، تجده يتحدث معك بسلاسة ويتابع حياته العامة بشكل طبيعي لكنه في أعماقه ينتظر اللحظة ليغسل يديه ووجهه عدة مرات إذا سلم عليه أحد الأشخاص وفي المنزل يعقم قبضات الأبواب كلما مضى من الوقت ساعات، شغله الشاغل أن يمسك فوطة نظيفة ويدعك بها المفروشات البيتية وبلاط الأرض ومن الصعب جداً إقناعه بأن ما يفعله هدر للجهد والوقت وكلما زاد الشيء انقلب ضده.
من الصعب أن يتأقلم هذا الإنسان مع الآخرين إلا بعد علاج نفسي طويل خاصة بعد استفحال الحالة لتتحول إلى مرض نفسي وجسدي.
رأي طبي:
رداً على مبررات المريضة بأن معظم الأوبئة ناجمة عن عدم النظافة أوضحت أخصائية التدريب السلوكي ليلى علي بالقول إن طريقة التعامل مع الشخص المصاب قد تكون صعبة لأنه يصعب عليك إقناعه أن ما يفعله مبالغ و تنصح ليلى أن يعمد المقربون منه إلى الاستعانة بالعلاج مؤكدة أن جلسات العلاج السلوكي المعرفي أثبتت فاعلية كبيرة جداً في تحسن حالات الوسواس القهري إلى جانب تعلم استراتيجيات للاسترخاء وتجنب الأفكار والأفعال القهرية، إضافة إلى العلاج الدوائي الذي يصفه الطبيب النفسي والذي يعمل على الحد من الأفكار القهرية مشيرة إلى أن دوافع وسواس النظافة القهري تعود إلى عوامل داخلية وهي شعور الشخص بضرورة التنظيف لحماية نفسه والآخرين من التلوث والأمراض، ويؤثر هذا السلوك على حياته الاجتماعية والوظيفية والزوجية بشكل كبير فهناك كثير من الحالات صعبة الشفاء بسبب عدم اقتناعها بأن ما تفعله ليس صواباً.

السابق