الثورة – ترجمة رشا غانم:
اكتشف الباحثون كيف أنّ المومياءات المصرية لا تزال تبدو بحالة جيدة جداً، وكل ذلك يتعلق بوصفة تحنيط منسقة بعناية، فلقد تم الحفاظ على المومياءات تماماً لآلاف السنين مع ملامح وجهها التي لا تزال مميزة حتى اليوم.
المصريون القدماء كانوا أساتذة في الكيمياء وعرفوا بالضبط المكونات اللازمة لمنع تحلل اللحم، وتضمنت وصفات التحنيط المكتشفة حديثاً والتي استخدمت منذ حوالي 2700 عام، راتنج الأشجار والعرعر وشمع العسل، وبعض هذه تم استيرادها من مناطق بعيدة مثل جنوب شرق آسيا ولها خصائص مهمة مضادة للبكتيريا، وفقاً للخبراء.
هذا وقام فريق دولي من الباحثين بتحليل 31 سفينة خزفية تم انتشالها من ورشة تحنيط في سقارة – إحدى أهم المقابر القديمة في مصر، وقد أدرجت على السفن، التي يعود تاريخها إلى 664 قبل الميلاد، نصوص تتضمن تعليمات التحنيط مثل وضع ضمادة على الرأس أو ضمادة به، كما تضمنت أسماء مواد التحنيط وبقايا المواد نفسها، سمح ذلك للفريق بفهم، ولأول مرة، المواد الكيميائية التي تم استخدامها أثناء التحنيط وكيف تم خلطها وتسميتها وتطبيقها.
على سبيل المثال، وجدوا ثلاثة مخاليط مختلفة تضمنت مواد مثل راتنج الشجر، شمع العسل ومنتجات ثانوية من العرعر، والتي كانت تستخدم خصيصاً لتحنيط الرأس، كما تمّ استخدام خلطات أخرى لغسل الجسم أو تنعيم الجلد، كما وضّح المؤلفون أيضاً أن العديد من مواد التحنيط جاءت من خارج مصر- على سبيل المثال- فلربما تم استيراد منتجات الفستق والعرعر من منطقة البحر الأبيض المتوسط، ولربما كانت الراتنجات أيضاً من الغابات المطيرة في جنوب شرق آسيا.
ومن جهته، قال د.ماكسيم راجو، أحد المؤلفين من جامعة توبينجن في ألمانيا:” استخدم المحنط بعض المواد التي يمكن أن تكون مهمة لكل من الخصائص المضادة للفطريات والميكروبات، هذه مفيدة على سبيل المثال، للحفاظ على الأنسجة البشرية وتقليل بعض الروائح الكريهة، ويمكن أيضاً استخدام مواد مثل القار وشمع العسل لإغلاق مسام الجلد وتقليل الرطوبة”.
تضمن الجزء الأول من عملية التحنيط، التي استغرقت 70 يوماً، إزالة الأعضاء الداخلية للأفراد، باستثناء القلب، وكان الجسم مغطى بنوع من الملح يسمى نطرون لتجفيفه، قبل أن يمسحه المحنطون من الداخل والخارج للمساعدة في الحفاظ على الجلد، وكانت العملية برمتها هي المساعدة في تحويل الفرد من كائن أرضي إلى كائن سماوي، وإعداده للحياة الآخرة، حسب معتقداتهم.
وبدوره، وصف البروفيسور فيليب ستوكهامر، الذي عمل أيضاً في الدراسة، إن إحدى النتائج الأكثر إثارة للدهشة هي نقل الراتنجات الاستوائية حتى جنوب شرق آسيا، وقال: ” كان التحنيط محركاً مبكراً للعولمة لأنّه يعني أنك بحاجة إلى نقل هذه الراتنجات عبر مسافات كبيرة، من جنوب شرق آسيا إلى مصر، كما يُظهر أن الأشخاص العاملين في ورش العمل هذه – هؤلاء المتخصصين – يعرفون المواد التي يستخدمونها.”
وتابع البروفسور:” من المثير للاهتمام أن نرى تعقيد التحنيط – الشبكة العالمية من ناحية وهذه المعرفة الكيميائية من الجانب الآخر والتي تتجاوز بكثير ما كنا نعرفه من قبل، لقد كنت مفتوناً بهذه المعرفة الكيميائية، ففي عملية التحنيط، يتعرض الجلد للخطر على الفور من خلال استعمار الميكروبات التي من شأنها أن تلتهم الجلد.”
“استخدم هؤلاء الأشخاص المواد المضادة للبكتيريا والفطريات للحفاظ على الجلد بشكل أفضل، ولكن دون وجود أي خلفية ميكروبيولوجية – دون معرفة البكتيريا، كان أبرز ما لدي هو رؤية هذه المعرفة الهائلة التي تراكمت عبر قرون من الخبرة في التحنيط”.
المصدر: ديلي ميل