الثورة – رنا بدري سلوم:
النهاية المفتوحة للرواية العاطفية “صعوداً نحو الحبّ” ككل الاحتمالات التي عاشها بطل الرواية “عدنان جايد الدمشقي” في مفترق الطرق، التي بدأت بانقطاع الحب لأمه و”عقدة أوديب” وأساطيرها، فبدا في أحداث الرواية يتساءل أين عنايتها الإلهية بعد قسوة الأب والتخلي عنه؟ وكأن الراوية أحلام أبو عساف تؤكد لنا أن حبّ الأم هو حبل سري لا ينقطع، رغم ارتباط البطل بعدّة نسوة ” ماريا، شيرين، عفراء” ليستقي الحب بأشكاله لكن دون ارتواء، مبررة الراوية في النهاية غياب الأم والسؤال عن ابنها بإصابتها بمرض الزهايمر المؤقت.
أحداث شيّقة تبدأ من دمشق إلى دارٍ للأيتام في الكنيسة بمنطقة صوفر في لبنان منذ ستينيات القرن الماضي، مروراً بلندن ليصبح بطل الرواية عدنان مهندساً للطيران، بفضل ماريا الدادا التي عرفته في الدير وتبنته بحب فساعدته على تخطي الكثير من ثم تزوجته، في لندن، واستقرا في السعودية.
فنجد أن الراوية تقصّدت تسليط الضوء على خفايا المجتمع المتحفظ، في تراتبية أحداث الرواية التي تعلقت بالقضايا الاجتماعية كعنصر أساسي فيها، حق الأم في قرار الانفصال وإكمال حياتها، والتفكك الأسري والفروق العمرية والدينية بين الزوجين، والمعتقدات التي تخطاها الحبّ في وقت لم يقبلها المجتمع، إضافة إلى هجرة العقول، ” مُنحت الجنسية البريطانية ّ نظرية يعرف مسؤولوها أن تربة بلاد العرب مالحة لا يزهر الشباب فيها! “، وأيضاً عرض الرأي بالأحداث السورية “لست في موقع يخولني إعطاء المواعظ أو إبداء الرأي لمن بقي في البلد فقد عشت مشتتا في أصقاع العالم”، يبوح عدنان لأحد ما عبر الهاتف. “كل ما يذكّرني بوطني هو قساوة والدي ومشفى الأمراض النفسية”.
“الشتاء وشباط وصوت القطط يملأ الفضاء من غير خجل، ليتنا كالقطط، يهجم علينا الحّب كل سنة مرة، نرتوي منه ونستريح ونتطلع إلى العمل والأكل لباقي السنة، ابتسمت وقلت في قرارة نفسي: النسيان.” بهذا الأسلوب الشائق أبدعت الراوية أحلام أبو عساف في عرض أحداث الرواية، بتعابير فنيّة جماليّة وأسلوب ماتع، نتتبعه بسلام، ويشدنا نحو عنصر الحبكة “العقدة” وهي المشكلة الكبرى التي يواجهها بطل الرواية ويسعى لحلها، وهي جزء أساسي في جسد الرواية، والتي من خلالها يبدأ البطل باكتشاف حل العقدة، إضافة إلى عنصري الزمان والمكان وعنصر الحوار الشائق بين الشخصيات.
“وأنا الذي أدمنتُ البدائل، بديلاً لشيء ما عند ماريا خبأته تحت طيات حزنها وحنانها المفرط، بديلاً لولد لم تنجبه عمتي وداد، والآن ماذا أنا؟
تساؤلات وصدمات جعلت المهندس عدنان يفقد عقله لبعض الوقت فيدخل المصحة العقلية، بعد عدة خسائر عاطفية ومهنية، لم يبق في وقتها أحد جانبه سوى الأب الذي كان السبب بوضعه في دار الأيتام، وفي النهاية الابن عامر والابنة هند هما ما بقيا له بعد فقد الزوجة عفراء ووالدها رجل الدين بعملية تفجير إرهابي.
رواية “صعوداً نحو الحب” الصادرة عن دار نينوى بدمشق، والتي تقع في 176 صفحة من القطع المتوسط، أبدعت الراوية أحلام أبو عساف في نقلنا إلى عوالم الفقد والحب والحنين ” يقولون: حينما تستعيد ذكرياتك في يوم من الأيام، ستتفاجأ بأن أجمل سنواتك هي الشاقة منها” وكما أنهت الراوية بالتأكيد على أنه ” كان عدنان يتمنى لو أن كل ما يراه ويسمعه، أبواب مفتوحة مزدانة بالياسمين، يخرج ولا يعود، ناسياً وراءه كل شيء، كل شيء”.
التالي