الملحق الثقافي- ورد شان إبراهيم:
في سورية لم تغير الأزمات التي مرت عليها ماعرف عنها عبرَ الأجيال بل سلّطَ الضّوء عليها أكثر بتلك الأبجدية التي ترجمت للعالم أجمع أصالتها ومواقفها الثّابتة التي كانت ومازالت ….نقطة فاصلة لأي مخطط أراد لها الشر.
أبناء سورية اعتادوا مع كل وجع مع كل مصاب ولو كان بحجم بلدان أن يولّدوا الأمل والمحبة للأجيال القادمة….فسورية الأم قد علّمتهم لغة الإنسانية والأبجدية.
هنا….أتحدث من قلب الحدث الأكبر ..من قلب اللحظات التي لن تنساها ذاكرتنا..عن أطول اثنين وأربعين ثانية من العمر…
هو ليلٌ كان يتكلم بشدةِ برودته..ويعزف بعواصفه ألحانٍ مرعبة..وبصقيعٍ أجبرنا أن نكون في نفس المكان
لحظاتٌ فاصلة بين هدوء هذا اللّيل وأمانه….إلى لحظاتٍ كانت أشبه بوداعِ الحياة…..ببطء.
أطفالٌ تصرخ خوفاً من المجهول القادم..لامحال
عيون أمهات …ترجمت كمية العجز أمام ضنى روحها…
هي بالواقع كانت ثواني معدودة ..لكن سردت الكثير من القصص
هو جارٌ …لم نشهده إلا يائساً مهموماً….زاهداً بالحياة..لكن كان الأسرع لإنقاذ أرواحٌ لا يعرف عنها إلا أسماءها
ضجيجٌ…..أخفى أصوات الزّلزال المخيفة…كان أقوى منها لشدة الإنسانية واللهفة والحب اللامحدود ….لتفادي الخسائر
انتهت اللحظات…وتم الفصل بيننا إلى أرواحٍ فوق الركام…وأرواحٌ تحت الركام وأرواح تحاول الخروج من تحت الرماد.
فصلٌ لم يميز..بين فقير وغني ..بين صغير وكبير
هنا توالت فرق الدفاع المدني التي يشهد لها بإنسانيتها. وبسواعد كأنها مباركة من عالم الغيب. ليكونوا الجند الأقوى ميدانياً رغم نقص المعدات بسبب حرب ظالمة وحصار خانق لإنقاذ أرواحٌ قد عاشت أصعب درجات الصّبر والإيمان المطلق بالولادة من جديد….
فرحات كانت الأكبر ..كانت الأجمل
عندَ سماع أصواتٌ بعيدةٌ عن الأذن ..قريبة للقلب وكأنها ضنى الروح المسافرة..
أما عندَ اللقاء….مع كلِّ ناجٍ
اجتمعت نبضات قلب كلّ سوري بقلبٍ واحد ينبضُ فرحاً وامتناناً لامحدود
ومع حجم هذا الألم والفقدان….لأنّنا في سورية…لن نعجزَ عن البدء من جديد من الدّاخل قبل الخارج ..
فكلُّ الطّرق التي تبنى بالإرادة ….مزهرة..ولطالما كنا طائر الفينيق.
العدد 1133 – 21-2-2023