الثورة – ديب علي حسن:
من ضفاف سورية ووديانها وسهولها بدأت اللغة الأبجدية وبدأت قصائد الشوق والحب والثقافة وحين يحفر الباحثون في ثنايا اللقى والوثائق يجدون كنوزاً من المعطيات التي تحمل البصمة السورية.
من اللون والحرف والزرع والرقم الطينية وغير ذلك.. وقد أهمل المؤرخون المنحازون هذه الحقيقة إلى حين من الزمن ولكن لابد للشمس السورية أن ترسل أشعتها مهما كان الضباب كثيفاً.
السوري الشاعر ميليا غروس واحد ممن حاول الباحثون الغربيون سرقة هويته ونسبته إلى غير سورية.
حتى الموسوعة الحرة تنسبه إلى غير سورية مع أنها تضع قصيدته الشهيرة إن كنت سورياً..سلام..
محطات ميلياغروس الجدارية
عاش في القرن الأول قبل الميلاد، هو أحد قدماء شعراء اللغة اليونانية – مع أنه سوري – ولد في مدينة جدارا والتي تُسمى اليوم “أم قيس”، يُعتبر من رواد المدرسة السورية في الشعر اليوناني، كان شاعراً وجامعاً للإبيجرامات (القصائد القصيرة). كتب العديد من قصائد النثر الساخرة التي فُقدت، كما كتب العديد من قصائد الشعر الحسّي الإيروسي بأسلوبٍ ذكي، وقد نجت منها 134 قصيدة. قام ميلياغروس بتجميع الأنثولوجيا المسماة «الإكليل» والتي ضمت مجموعةً من القصائد لعدد من الشعراء، وبالرغم من أنها لم تنجُ من الضياع، إلا أنها كانت بمثابة الأساس «للأنثولوجيا اليونانية».
تلقى تعليمه في مدينة صور وأمضى ما تبقى من حياته في جزيرة كوس حيث توفي في سنٍ متقدمة. صُنف من قبل بعض الكُتّاب كأحد أتباع الفلسفة الكلبية. كتب ميلياغروس ما كان يُعرف بالسبودوجيلويا شأنه في ذلك شأن مواطنه منيبوس، والسبودوجيلويا هي عبارةٌ عن نثرٍ ساخرٍ يضع الفلسفة في قالبٍ أكثر قرباً من العامة مُرفِقاً إياها بإيضاحاتٍ فكاهية. برزت شهرة ميلياغروس بأوضح صورها في المئة وأربع وثلاثين إبيجراماً التي تعود له، والتي وضعها ضمن الأنثولوجيا الخاصة به. تعدّ مخطوطات «الأنثولوجيا اليونانية» المصدر الوحيد لهذه الإبيجرامات.
كانت النزعة الإنسانية من أهم السمات التي طبعت شعر ميلياغروس، ويبدو ذلك واضحاً في قصيدة الشاهدة التي أراد لها أن تُخطّ على قبره بعد موته، إذ يقول فيها:
أيها العابر من هنا
لا تخف من مرورك بين أجداث الموتى
فهنا يرقد عجوز مسالم رقدته الأخيرة
إنه ميلياغروس ابن أوقراطس
الذي تغنى بالحب
وجعل الدموع السعيدة تهطل من المآقي
لأنه وقف واسطة
بين ربات الشعر وتجسيد الجمال الساحر
لقد كان رجلاً من مدينة صور
التي باركتها الآلهة
ولكن مدينة غدارا المقدسة
كانت هي مسقط رأسه.
ثم أتى إلى كوس
الجزيرة المباركة التي آوت شيخوخته.
فإذا كنت سورياً أيها العابر
فقل عند قبري سلام
وإذا كنت فينيقياً فقل أودوني
وإن كنت يونانياً قل خايرية.
وقد صدر في دمشق كتاب مهم تناول حياته وترجمات من شعره نقلها إلى العربية عادل الديري وراجعها تيسير خلف.. صدر عن دار التكوين بدمشق.
ويلاحظ أن ثمة ترجمات متعددة لقصائده قدمها باحثون ومهتمون نجد الصياغات مختلفة بعض الشيء ولكن أجملها كذائقة شعرية ترجمة عادل الديري في الكتاب المذكور سابقاً.
من القصائد الجميلة في الديوان قصيدة الربيع التي تصور جمال الجولان العربي السوري يقول: شتاء عاصف حل عن السماء..
وافتر ثغر الربيع.. عن ابتسامة من الأزهار..
فكللت الأرض الداكنة نفسها بالعشب الأخضر..
مضى البحارة على أمواجهم العريضة..
ورياح الغرب في أشرعتهم
تزفر نسمة لطيفة.. ها هو صوت الرجال يعلو..
مهللين لإله الكرمة والنبيذ
متوجين رؤوسهم بتيجان اللبلاب… وتراقص إله الكرمة والنبيذ..
فزقزقت الطيور.. وتزاحمت النحلات فكيف لا يشدو..
مترنماً بمفاتن الربيع..؟