خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
عندما فاجأ السادات العالم بإعلان زيارته للكيان الإسرائيلي في 19 تشرين ثاني 1977م لم يكن أحد يتصور أن يقدم على ذلك ولكن بعد 10 أيام كان السادات يلقي خطابه (الشخصي) في الكنيست الإسرائيلي في موقف أحادي أدى إلى استقالة ثلاثة وزراء خارجية أولهم كان إسماعيل فهمي الذي رفض مرافقة السادات وقدم استقالته يوم 18 تشرين ثاني، وعلى عجل تم إعلان محمد محمود رياض الذي وضع سؤالاً مباشراً أمام نائب الرئيس حسني مبارك عندما أبلغه بالتكليف طالباً معرفة إطار هذه الزيارة، ما اعتبره مبارك رفضاً للتكليف.
وحدثت الزيارة وألقى السادات خطابه وأحدث شرخاً في الموقف العربي، وظل منصب وزير الخارجية شاغراً حتى كانون أول 1977م ليتم تعيين محمد إبراهيم كامل الذي وجد نفسه أيضاً يصطدم باتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول 1978م أي بعد عشرة شهور من تعيينه ليقدم استقالته هو الآخر، والغرابة في الأمر أن كل هؤلاء الدبلوماسيين المصريين المخضرمين لم يستطع السادات إقناع أحدهم بجدوى ما يسميه السلام مع “إسرائيل” بل أن الشعب المصري العظيم وثقافته الممانعة لم تقتنع ولم تنجرف مع هذا السلام الواهم المشؤوم، بعدها تم تفصيل بنود الاتفاقية في معاهدة السلام في 26 آذار 1979م لتضع مصر في دائرة العزلة العربية والخطر بعد استمرار الانقسام الحكومي باستقالة وزير الحربية الفريق عبد الغني الجمسي والفريق سعد الدين الشاذلي فاعتقل المعارضون لسياسات السادات.
التعامل العربي مع الكيان الصهيوني تطور لاحقاً بعد توقيع اتفاقات أوسلو فلم يتحقق المأمول، ولم تقم الدولة الفلسطينية ولم تتم استعادة الحقوق الفلسطينية بل ازدادت وحشية الاحتلال وتزايدت وتيرة الاستيطان وقسم الجدار العنصري الفاصل الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة وأصبحت الانتهاكات والاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات التنسيق الأمني هي واقع الحال مع الاحتلال، لم نجد أي نتائج إيجابية من التعامل العربي مع الاحتلال الصهيوني إلا أسوأ النتائج، وهكذا لم يختلف الحال بعد اتفاقية وادي عربة من تأثير على الاقتصاد وزيادة الديون بعدما كانت وعوداً بإسقاطها وزاد غلاء المعيشة وغزت السلع “الإسرائيلية” الأسواق الأردنية ونافست المنتج الوطني واستفاد الاحتلال من الصناعة والزراعة وأصبح للصهاينة موطئ قدم اقتصادي بشكل أو بآخر، إضافة لموضوع مياه نهر الأردن الذي تستفيد منه “إسرائيل” كما لم تحترم إسرائيل الرعاية الإدارية للأردن على الأماكن المقدسة في القدس الشريف بل ازدادت انتهاكاتها في الأرض المحتلة.
الصورة الوردية التي صورها راعي السلام الدولي في الشرق الأوسط تحولت إلى صورة قاتمة بل أصبحت الاتفاقيات مكبلة للأطراف العربية حيث تم صياغتها بما يتناسب مع مصالح الطرف الصهيوني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياحياً وأمنياً وما زال بعض العرب ينظر إلى اتفاقات السلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم على أنه قشة النجاة ولا يريد أن يتعلم الدرس من سوابق تلك المحرمات التاريخية التي وقع فيها العرب، والأخطر أن السياسات الصهيونية تلهث وتضغط لتطبيع العلاقات مع العرب لأمر باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، فهل يتعظ العرب من التعامل مع هذا العدو الذي لا يعرف إلا لغة الخيانة والغدر والاغتيال ويعلم أبناءه كراهية العرب وقتلهم، ولا شك أن هذا العدو لا يبحث من خلال هذه الاتفاقات عن السلام أو تطبيع العلاقات والتعايش والتسامح بل يعمل على خطة لتدمير العرب والتحكم بالاقتصادات العربية واختراق كل مفاصل الدولة واستهداف كل مكونات القوة لدى العرب وبث الفرقة بين الأنظمة العربية والشعوب وإحراج الدول التي تتعامل معه من خلال وسائل إعلامها وأبواقها الإعلامية التي تعمل بشكل ممنهج لتحقيق هذه الأهداف الخبيثة، فهل يتعظ العرب من مخاطر التعامل مع الكيان الصهيوني على الدول والشعوب العربية؟!
ختاماً نقتبس ما قاله وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل حيث يتحدث عن استقالته في كتابه “السلام الضائع في اتفاقية كامب ديفيد” ويقول: “أي اتفاقية ستبرم في نهاية الأمر على هذا الأساس ستكون كارثة على مصر وعلى الشعب الفلسطيني وعلى الأمة العربية جميعاً”.
ولا شك أن هذا هو واقع الحال في أي تعامل عربي مع كيان الاحتلال الصهيوني، وكما قال المتنبي: ” وَلَيسَ يَصِحُّ في الإفهامِ شَيءٌ. إِذا اِحتاجَ النَهارُ إِلى دَليلِ” هذا هو حال الحركة الصهيونية منذ مؤتمرها الأول في بازل عام 1897م فهل بعد ذلك يمكن أن نتعامل مع هذا الكيان المجرم ؟!.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم