الثورة – عبد الحميد غانم:
زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز للولايات المتحدة، التي أحيطت بتعتيم إعلامي، واللقاء القصير الذي جمعه مع بايدن، أثار الكثير من التساؤلات حول حقيقة الموقف الأوروبي تجاه الحرب في أوكرانيا، هذا الموقف الذي أظهر الانقسام الواضح والجلي، وحالة القلق التي تنتاب الاتحاد الأوروبي تجاه مستقبل الحرب، والمصير المجهول الذي يود “الأميركي” جر “الأوروبي” إليه، خاصة بعد الانتكاسات والهزائم التي تتعرض لها الولايات المتحدة والناتو والنازية في أوكرانيا، وتفوق الاتحاد الروسي في تحقيق أهدافه وفشل مخطط “الأميركي” في تحقيق أحلامه وانقلاب السحر على الساحر المزيف في الميدان العسكري والاقتصادي والسياسي.
ففي الميدان لم تسر الأمور كما أرادها الأميركي، واقتصادياً لم يفلح سلاح العقوبات الاقتصادية في التأثير في الموقف الروسي في الميدان العسكري ولا في الساحة الدولية، بل على العكس تعزز الموقف الروسي سياسياً واقتصادياً، وانعكس ذلك سلباً على الاقتصاد الأوروبي الذي أزعج الشارع الأوروبي وأججه، فضلاً عن تزايد الإحباط السياسي جراء تطورات الميدان العسكري في الحرب الأوكرانية.
وبمقارنة صغيرة بين ما حققه الروسي وبين “الأميركي” و”الأوروبي”، نلحظ الفارق الكبير، ونرى الانتكاسات وخيبات الأمل للمخطط الأميركي والأوروبي.
ومع ذلك أمريكا تخلط الأوراق وتضغط على أذنابها الأوروبيين، ليتبنوا الكذبة نفسها التي تسوقها للرأي العام الأميركي والأوروبي والأوكراني لتبعد الشبهات عنها، وتتنصل من العمل الإرهابي الذي يرقى لمستوى عمل إرهاب دولة منظم، الذي ورطت به المنطقة والعالم، بإشعال حرب بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، كما فعلت في العراق وأفغانستان وتحاول فعله في سورية، وأدى إلى ضرر كبير في اقتصاد أوروبا وألمانيا بالدرجة الأولى، ولهذا سارع المستشار الألماني للقاء بايدن والاستفسار عن المستقبل.
فالولايات المتحدة وضعت شعبها وأوروبا وأوكرانيا في موقف صعب جداً لا يحمد مستقبله ونتائجه، فأوكرانيا غير قادرة على استمرار المواجهة في حرب لم تقدرها حق تقدير، ولم تستشر فيها، بل جاءت نتيجة سياسات أميركا والناتو المتهورة.
لا شك أن الإدارة الأمريكية كعادتها تقلب الحقائق وتمارس الخداع، كما تفعل دائماً؛ واليوم أوكرانيا أصبحت بالنسبة لها – على حد قول أحد الصحفيين الأوكران – “مزبلة يرمون (أي الغرب الأميركي والأوروبي) عليها وفيها كل بضاعتهم القذرة”.
أوكرانيا برأيي النخبة الأوروبية تنام على أياد عملاء لأميركا والغرب الأوروبي، وتتهاوى بسبب نظام وأزلام وأدوات لهذا الغرب الذي يقدم الأوكران قرابين لأسيادهم الأميركان، ولأجل إرضائهم فقط، غير آبهين بأوكرانيا والأوكران.
وما يزيد الأمور تعقيداً هو الانقسام الناشئ في الموقف الأوروبي حول كيفية إنهاء الحرب، بينما يدعو قسم من الأوروبيين، إلى محادثات سلام الآن، يدعو قادة آخرون إلى تسعيرها.
حلم هزيمة روسيا، ووفقًا للصحيفة الفرنسية Politico، كان على بايدن تذكير البولنديين الذين التقى بهم في وارسو بعد زيارته الخاطفة والسرية إلى كييف، بأن الغرض من الحرب ليس الإطاحة بنظام بوتين.
في غضون ذلك، يتصاعد الإحباط في أوروبا لأن القارة تجد نفسها في طريق مسدود حتى الآن، إذ أدى الافتقار إلى التماسك الأوروبي إلى توفير مساحة سياسية للولايات المتحدة للتقسيم والغزو.
ومع ذلك، إذا وجد الأوروبي نفسه اليوم في موقع ثانوي، فيجب عليه أيضاً أن يتحمل المسؤولية، الذي وضع نفسه فيها، فقد أدى عدم قدرة أوروبا على تحديد مصالحها الجوهرية إلى إضعاف تماسكها الداخلي، وحكم عليها بدور ثانوي.
وهكذا، أصبح الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي كلاماً فارغاً، كما قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، إذ إن أهم إنجاز للحرب هو أن أوروبا قد انسحبت من الدور الفاعل، على حد تعبيره.
وأضاف أنه في القرارات التي تم تبنيها في الناتو، قدمت المصالح الأمريكية في كثير من الأحيان، أكثر على المصالح الأوروبية، وأن “الأمريكي” له الكلمة الفصل في الحرب الدائرة في أوروبا.
لذلك فإن الطريق أمام أوروبا طويلة ومتعرجة، في حال استمرت على هذا الموقف.
لكن بالنسبة لروسيا، فإن الشيء الرئيس هو أنه لا يجب أخذ أي عضوية في الناتو لأوكرانيا، ولا يمكن تجاوز الموقف الروسي وأمنها القومي، ولا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض دون أخذها في الاعتبار، فالعملية العسكرية الروسية الخاصة ستثبت الأساس المنطقي لمحادثات السلام، والتي تهدف إلى إجبار الغرب على التفاوض بشأن توسيع الناتو.