خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عُمان:
لم تتوقف مسقط عن دورها المحوري المتصل بالأزمات في محيطها الجغرافي ترسيخاً لدورها الحضاري الضارب في التاريخ، وكانت مسقط تردد دائماً أنَّ الحوار بين الرياض وطهران سيكون في الوقت المناسب، وقد استثمرت المناخ السياسي الإيجابي مؤخراً -لاسيما مع وجود مكتب التنسيق السياسي المشترك بين العاصمتين مسقط والرياض- فبدأت التمهيد لبدء الحوار بين طهران والرياض، وكذلك احتضنت العاصمة العراقية بغداد جولات من الحوار خلال العام الماضي وصل إلى مستوى متقدم، واليوم تتوَّج تلك الجهود في العاصمة الصينية بعد جهود إضافية أخرى بذلتها جمهورية الصين ليتمَّ صدور ما عرف بالبيان الثلاثي الصيني – السعودي – الإيراني، ما يفتح آمالاً عريضة لإنهاء أربعة عقود من القطيعة بين البلدين الجارين المسلمين، وتمَّ الاتفاق على إقامة العلاقات الدبلوماسية في غضون شهرين من الآن، وقد تقدمت طهران والرياض بالشكر إلى كل من سلطنة عمان والعراق لما قدماه من جهود سابقة للحوار بين البلدين.
البيان الثلاثي يحمل بعداً آخر لكونه يصدر من عاصمة قطب دولي مرشحة للصدارة العالمية لاسيما أنَّ الصين ترتبط باتفاقيات إستراتيجية كبرى مع دول المنطقة مثل إيران والسعودية والكويت والجزائر وسلطنة عمان وغيرها، ويهمُّ بكين تحقيق النجاح لمبادرتها الاقتصادية الحزام والطريق التي تسير بخطى واثقة وملموسة، ما يؤكد على دخول الصين إلى منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط من الباب الكبير، كما أنَّ وجود الصين كطرفٍ وسيط يؤمن تنفيذ ومتابعة هذا الاتفاق، ولاشك أنَّ الأصداء الواسعة والترحيب العربي والدولي بهذا البيان يؤكِّد أهميته الإقليمية والدولية، ويؤسس لإحدى قواعد النظام الدولي الجديد بالمنطقة.
البيان الثلاثي قدَّم أيضاً رسالة واضحة أنَّ المملكة العربية السعودية أخذت خطوات عملية تتوازى مع مصالحها الوطنية وهي خطوات تتسق مع رؤيتها الاقتصادية ٢٠٣٠، ويهمُّ الرياض إعادة ترتيب ملفاتها السياسية وفقاً لمصالح المملكة التي تتجه نحو تصفير المشكلات، وهذا بلاشك من المهم عربياً وإقليمياً.
كما أنَّ توجه السعودية الراهن يعمل على التكامل الاقتصادي، ومد جسورها الاقتصادية مع جميع القوى الدولية شرقاً وغرباً، وهذا التوجه البراغماتي لا يسقط أي طرف دولي من هذه المعادلة.
المخاوف من محاولات تعطيل الاتفاق لاشك تنحصر في الأدوار الخارجية المناوئة حسبما تراه تلك الأطراف من احتمالية خطر على مصالحها جراء اتفاق هذين البلدين الكبيرين (إيران – السعودية)، لاسيما مع وجود العملاق الاقتصادي الصيني الذي شكَّل رافعة لهذا الاتفاق، ومن هنا فمن المتوقع أن تعمل غرف العمليات (الإعلامية – السياسية) المعادية التي ستركز على كيفية اختراق هذا التوافق السعودي – الإيراني، ولكن المطمئن هنا أن جميع الأطراف المعنية تدرك تلك المحاذير ومتيقظة لها تماماً.
أخيراً نقول شكراً مسقط وبغداد وبكين تحقيق هذا النجاح الذي نأمل أن يحقق نتائجه الإيجابية الملموسة على البلدين، وعلى المنطقة عموماً، وبالذات على سورية ولبنان واليمن وبقية دول المنطقة، ويؤسس لعلاقات عربية إيرانية أوسع تنبذ كل مظاهر وأعراض التوتر، ومن هنا فإنني أعتقد أنَّ الاتفاق ماضٍ قدماً نحو تحقيق النجاح، وهو ما نأمله جميعاً للتخلص من تلك الزوابع المستمرة والمتصاعدة بين ضفتي الخليج.
* المقال يُنشَر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم