كلّما استمعتْ لأحاديث الناس، وعاينتْ تجارب الآخرين وحالات الخوف التي رافقتهم في الآونة الأخيرة.. اعتبرتْ ما حدث معها أمراً عرضياً.. وبيدها وحدَها قرار زواله.
تذكّرت كلمات أحد الأصدقاء (لك الحق أن تعيشي الرعب)، وكيف خطفتْ كلمات جوابها باستعجال (لا أريد هذا الحق).
لمدة زمنية قاربت الشهرين كانت تحيا حالة تشبه الخلط الذهني الذي عاشته بطلة فيلم (كل شيء في كل مكان دفعةً واحدة)..
هي هنا.. وليست هنا..
في هذا المكان.. وفي مكان آخر..
مع هؤلاء.. وليست معهم..
تجتمع في ذهنها تفاصيل، أشياء، أشخاص..
وربما تكوّمت حيوات بأكملها.. لم تخترعها يوماً إنما هي من يقتحم لحظاتها ويفرض حضوره ضمن يومياتها..
لتستخلص من كل ذلك تشكيلة (عيش) تمنحها الحدود الدنيا من مساحة “رضا” وربما “سعادة”..
سعادة..!!
أليست هي ذات المفردة التي وصفها مرةً “سلافوي جيجيك” بالمسألة غير الأخلاقية..
“جيجيك” جعل أهمية أن تكون حالماً سابقة لأهمية أن تكون سعيداً..
وثمة فيلسوف آخر، هو نيتشه، جعل السعادة في مرتبة تالية لإيجاد معنى للحياة..
ويبدو أن المسافة الفاصلة ما بين المعنى والحلم هي المساحة التي تتشكّل ضمنها تدرجات السعادة المأمولة.
تتسع مساحات الحلم لديها كلّما حصّلت قمم المعنى..
تتسع تلك المساحات كلّما عثرت على سعادتها بأبسط الأشياء..
وحدها تجارب “قاسية” علّمتها أن تجميع لحظات الحلم إلى عميق المعنى، يُكسبها فسحةً تُرضيها من (الفرح) و(البهجة)..
أصبحتْ أكثر قدرةً على إيجاد بهجتها ببسيط الأشياء.. وعلى رسم خارطة راحتها وطمأنينتها بحدود تصنعها بذاتها ووفق دوزان هواها..
هكذا خلعتْ عن ذاكرتها كل ما علق بها من خوفٍ وقلق..
بقايا مما مضى توظّفها لتحريض لحظاتها الحالية انسلاخاً من أوجاعها..
فعلاج الرعب لا يكون بعقاقير أو وصفاتٍ طبية.
لهذا، ألقتْ كل تلك الأدوية في المهمل من أفعالها..
ببساطة بالغة.. مارست نوعاً من تصفية ذهنية عبر تنظيم قائمة “شغف”
لممارسة المفضّل من عاداتها..
وعلى إيقاع أحلامٍ صغيرة تهوى صيدها..
استأنفت “العيش”.. كنوع من هوى لم تحلم بلقائه يوماً.