فقط كنتُ أحتاج إلى 25 مليوناً و 400 ألف ليرة لأقوم برحلة استجمام رائعة أنا وزوجتي الغالية إلى تونس الشقيقة، البلد الذي أحبه كثيراً بكل تفاصيله، بناسه وزيتونه وعَلَمِهِ الجميل الأحمر، ومدنه وخلجانه وشطآنه، فقد أعلنت إحدى الشركات عن رحلة سياحية شيّقة إلى تونس لمدة ست ليالي إقامة في فندق خمس نجوم بقيمة 12 مليوناً و700 ألف ليرة للشخص الواحد، وتتضمن هذه الأسعار الكثير من الخدمات المغرية، فهي تغطي تذكرة السفر إلى تونس من مطار بيروت، والنقل من دمشق إلى مطار بيروت ذهاباً وإياباً بالبر، كما تتضمن الاستقبال والنقل من مطار تونس قرطاج الى الفندق وبالعكس، تخيلوا (قرطاج) هو مطار في تونس العاصمة ولكنه باسم هذه المدينة الفينيقية الجميلة، التي أحبها كثيراً، والتي أسستها الأميرة السورية الفينيقية (أليسار) وأصبحت مركزاً لإمبراطورية كبيرة حكمت شواطئ المغرب الكبير وصقلية وإسبانيا أيضاً، وقرطاج المدينة ليست بعيدة عن العاصمة إذ يمكن الوصول إليها سريعاً ولا تبعد أكثر من 15كم عنها.
تتضمن تلك الأسعار المعلنة الإقامة لمدة 6 ليالٍ في فندق خمس نجوم – كما قلنا – بياسمين الحمامات على البحر مباشرة مع وجبتي الفطور والعشاء يومياً على شكل بوفيه مفتوح، إضافة إلى أربع جولات سياحية بمرافقة دليل سياحي متخصص، كما أن رسوم دخول جميع الأماكن السياحية المشار إليها ضمن برنامج تفصيلي تعد مدفوعة، وهناك مُرافق ومشرف للمجموعة كامل فترة الإقامة بتونس.
ما علينا .. فأنا مضطر الآن لكشف السرية المصرفية عن رصيدي ورصيد زوجتي لنعرف مدى قدرتنا على الاستمتاع بهذه الرحلة بعد أن قضينا عقوداً في الوظيفة العامة وتقاعدنا.
راتبي التقاعدي الشهري / 103 / آلاف ليرة، وراتب زوجتي / 99 / ألف ليرة، جمعاً يكون / 202 / ألف ليرة شهرياً هي الحيلة والفتيلة، أي إننا لتجميع كلفة هذه الرحلة نحتاج إلى عشر سنوات و 4 أشهر مع صيامٍ كامل فلا طعام ولا شراب ولا دواء ولا لباس ولا أي شيء، فقط يُتاح لنا التنفس خلال تلك الفترة.
وفي الواقع فإن تكاليف هذه الرحلة عادية جداً من منظور آخر، فهي نحو / 3378 / دولاراً حالياً، وهذا المبلغ كان يعادل – قبل الأحداث – نحو / 170 / ألف ليرة فقط، يعني لو أن الليرة بقيت محافظة على قيمتها لكان بإمكاننا ببساطة أن نقوم بهذه الرحلة باستثمار راتبَينا أنا وزوجتي لشهر واحد، ويبقى معنا / 32 / ألف ليرة نعود بها إلى المنزل مع بحبوحة، ولكن – سامحها الله – لم تحافظ، لدرجة أن مجموع راتبينا / 202 / ألف ليرة كانت تعادل / 4040 / ألف دولار قبل الأحداث، أما اليوم فلا تعادل أكثر من / 27 / دولاراً، أي نحو / 1350 / ليرة لكلينا بسعر الصرف قبل الأحداث. صحيح أن رواتبنا ارتفعت ستة أضعاف غير أن تكاليف الحياة ارتفعت نحو / 150 / ضعفاً قياساً بسعر الصرف، ولذلك فإن الرحلة التي ستكون في 22 الشهر الجاري، ويغلق الحجز بعد غدٍ في الرابع من نيسان، راحت علينا .. سامحينا يا تونس، فلم تشفع لنا محبة الأميرة أليسار ولا قرطاجها..