الثورة – يمن سليمان عباس:
مازالت تدمر تدهش العالم بما أنجزته منذ أن كانت ولهذا تعرضت للغزو من قبل اعداء الحضارة ماضيا وحاضرا , ولكنها اليوم تبلسم جراحها ويبقى فنها الخالد شاهدا على عبقريتها , عن الفن التدمري صدرت عشرات الكتب ومنها كتاب مترجم يتحدث عن النقوش التدمرية وفنون الابداع , كان قد شارك فيه المرحوم خالد الاسعد , وكنا قد اشرنا اليه حين صدوره عن الهيئة العامة للكتاب , واليوم نتوقف عند ملامح الفن التدمري إذ يرى المؤلفان أن الفن في تدمر يبدو جزءاً من النسيج الثقافي الذي عرفته السهوب السورية وكذلك الأراضي التابعة للإمبراطورية البارثية. لذلك يقال غالباً (الفن البارثي) ولكن من الأفضل أن يقال (الفن اليوناني الشرقي).
إن هذا الفن يتميز وبخلاف الفن الروماني الإغريقي باللجوء غالباً إلى الطريقة الجبهية (الوجه) في التقديم إلى التبسيط، وذلك حرصاً على إبراز ليس الحركة وإنما الكائن في ديمومته كما قال الكاتب ستاركي.
إن تسمية (الفن البارثي) تشمل أولاً النحت طريقة التعبير الفنية التي ظهرت بشكل واضح للعيان في نيكروبول (المقابر) في تدمر يدهشنا المظهر المهيب والجبهي بامتياز في تلك الأعمال.
إن الاهتمام الكبير بإظهار التفاصيل وخاصة المجوهرات والملابس هو أيضاً من مظاهر الأهمية الاجتماعية التي عرفها هذا النوع من الفن الذي كان همه تقديم التدمريين في اليوم الذي يحددونه.
وكما توضح العوارض المنحوتة في معبد (بعل) والتي نجد منها اليوم بعض القطع أمام المعبد على يمين المدخل بأن المهم ليس المشهد في سياقه السردي وإنما بالأحرى إظهار التفاصيل الذي يجزىء الحركة وأحيانا يلغيها لحساب إظهار الإلهة وهنا كما في أماكن أخرى يبدو واضحاً انتشار النقوش قليلة البروز وندرة المنحوتات ذات الأبعاد الثلاثية.
النقوش قليلة البروز تناسب اكثر التقديم الجبهي وغالبية المنحوتات الخاصة بالآلهة والموجود في محاريب المدينة لها هذا الطابع.
من وجهة النظر المعمارية :فإن الحالة مختلفة بعض الشيء إذ إنه ومنذ القرن الثاني على الأقل بدأ الاعتماد على الأشكال المعمارية اليونانية الرومانية وإن كان التخلي عن الأشكال القديمة كلياً لم يكن قد حدث بعد.
لذلك نجد أن المدافن بتصاميمها وأشكالها المعمارية مستوحاة بشكل كبير من النماذج اليونانية – الرومانية المعاصرة مع الحفاظ على الترتيب الذي تميزت به تدمر منذ العصر الهلنستي.
إن المعابد او الممرات ذات الأعمدة التي لها تصاميم مدنية استعادت الخطوط المعمارية السائدة آنذاك في الإمبراطورية الرومانية المعاصرة سواء في تيجان الأعمدة أو في أشكال معابد (بعل شمين او نابو)، ولكن كل ذلك يوظف غالباً لخدمة الآلهة ولأجل أنماط عبادة سورية محضة، فالهيكل أمام معبد (نبو) شبيه بما هو موجود في قلعة فقرا في جبل لبنان أو في بعلبك.
وإذا كان التصميم الكلاسيكي هو الأكثر تميزاً في فن العمارة الهلنستية فإن فن العمارة في معبد (بل) يتميز بمدخله الخالي من المحاور والمتمركز على جانبي غرفتين مخصصتين للالهة من الطرفين.