الثورة – فاتن دعبول:
تحت راية أعياد نيسان وفي أفيائها، اجتمع الشعراء يحيون ذكرى يوم جلاء آخر مستعمر فرنسي عن سورية الحبيبة في العام 1946، والذي نحتفل به بعد أيام، تقودهم الكلمة الصادقة النابعة من ضميرهم الوطني.
وعبّر د. إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب عن المناسبة العظيمة، وبين أهميتها، التي تهم الوطن الذي نعشق ونحب، ونضحي من أجله، وهو القيمة الأساس في حياتنا، وعليه يجتمع الشعراء ليقولوا كلمتهم في ذكرى الجلاء، وفي مهرجان شعري يحتفي بهذه المناسبة الغالية على قلوبنا.
وبين د. جهاد بكفلوني في تقديمه للمهرجان الشعري الذي حمل عنوان “الشعر وأفياء الجلاء” قائلاً: عندما تختال ذكرى الجلاء ببردها الماسي كما يختال فصل الربيع الذي اتفقت الفصول على تتويجه بينها، تعود إلى الذاكرة تلك المعاني في حب الوطن، وهي ليست شعارات ترفع، بل هي أفعال وتضحيات أكدها الشاعر الأحوص في قوله:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم، مذق اللسان يقول ما لا يفعل
واحتفى به الشاعر بدر الدين الحامد:
يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها، لنا ابتهاج وللباغين إرغام
ست وعشرون مرت كلما فرغت، جام من اليأس صرفا أترعت جام
وأكد هذه الحقيقة الشاعر عمر أبو ريشة عندما قال:
كم لنا من ميسلون نفضت، عن جناحيها غبار التعب
من نضال عاثر مصطخب، لنضال عاثر مصطخب
شرف الوثبة أن ترضي العلى، غُلب الواثب أم لم يغلب
وأكد بكفلوني أن على أبناء هذا الجيل ألا ينسوا أبطال الجلاء، وعندما ينظرون إلى وطنهم الحر الكريم وهو يرفل في بردة الاستقلال والسيادة، عليهم أن يتذكروا أن وراء هذا الصرح العظيم رجالا بذلوا أرواحهم رخيصة لتراب الوطن، وعليهم أن يستمدوا من هذه الذكرى كل ما يشحذ الهمم ويوقظ ذكريات الجلاء، وذكرى صانعي من ناضل لتسطع شمس الحرية والاستقلال.
سفر معتق بالبطولات..
وكان للشاعرة انتصار سليمان مشاركتها في المهرجان الشعري التي عبرت من خلال قصائدها عن معاني الجلاء وأهمية هذه المناسبة التي تكرس معنى الشهادة والبطولة والتضحيات في ظل سنوات عجاف عانت فيها سورية من عدوان ظالم كان له تبعاته وآثاره على مناحي الحياة كافة.
وفي قصيدتها” قميص أشهر تفاحه” التي حاولت أن تنثر فيها عبق الحب تقول:
أنا لا أحبك، أحب الوردة السمراء، التي استلقت فوق مروجك
أحب ضحكة طيرتها يوم تأبيني، فاستويت من الموت ريحا طيبة
أنا لا أحبك، بل أحب وقع أقدام المطر
وصرخة تزجرها تأتي كأوجاع العراة
وغفلة تمهر زهدها بكل أوجاع الحلول
وبين الشاعر سليمان السلمان أن الجلاء هو رأس الأعياد، وما كان الرأس إلا مرفوعا بفضل دماء الشهداء وأبناء الوطن الذين يفتدون الوطن لتحقيق عزته وانتصاره، والجلاء هو فخر لنا نحتفي به ونستذكر بطولات سجلت سفرا ناصعا في تاريخ التضحية والفداء، يقول في قصيدته “الجلاء”:
انهض مع الصبح وانشد صدق ما دارا.. الشام داري، فأكرم با لدما الدارا
لولا الجلاء لماجت أرضنا عللا.. والمعتدون غدوا أهلا وسمارا
ولّت فرنسا وظلت شامنا وطنا.. يسمو بأبنائه في الكون ثوارا
فانظر دمانا ازدهار الروض مؤتلقا.. فكم شهيد مضى في الساح مغوارا
مناسبة قومية..
ويرى الشاعر صالح هواري في الجلاء مناسبة قومية يتجلى فيها نضال الشعب العربي السوري ضد المستعمر، ولسورية في القلب مكانة كبيرة، وفي هذه المناسبة يجب أن نمجد الشهداء في كفاحهم وبطولاتهم، ويعبر في قصيدته عما تعاني منه فلسطين من ظلم المستعمر الغاصب، يقول:
بلادي تستباح أمام عيني، وتنزف بين مقتول وقاتل
وتحت مظلة الوجع المدمى، على اللاشيء تشتبك الفصائل
تقول رسالة من شمس عكا، يوقعها فدائي مناضل
ألا يا أهل أهلي افهموها، سراب السلم خداع مخاتل
إذا وعد الرصاص فصدقوه، فوعد البندقية لا يماطل.
صروح وطنية..
ويبين الشاعر فرحان الخطيب أن الجلاء فخر لسورية وللأجيال، وفيه نستذكر رجالات الثورة الوطنية الذين ناضلوا بأموالهم ودمائهم وضحوا بكل شيء من أجل التحرير، ذاك النضال الذي امتد على مساحة الوطن سورية، واستطاع ثلة من الثوار التصدي للجيوش الفرنسية، وكان نضالا عارما إلى أن تحقق الجلاء في 17 نيسان للعام 1946، والاحتفاء بهذه المناسبة لاستذكار ما فعله الأجداد بقيادة الأبطال يوسف العظمة، الشيخ صالح العلي، سلطان باشا الأطرش، عبد الرحمن الشهبندر، وفارس الخوري” ونحن باستحضارهم نعيش الجلاء بكل ما يعنيه من القيم العالية والبطولات والتضحيات الخالدة، يقول في قصيدته “سيف قاسيون:
بيوسف تزهو بالرجال المواقف، وترنو لزنديه الرماح الرواعف
وإنك تاج الأكرمين وسامنا، وإنك ما بين الميامين واقف
وقفت وما في الموت شك لواقف، كأنك في جفن الردى وهو خائف
وما ذبلت عيناك فالنصر فيهما، عقاب على هام الكواكب طائف
ويكفي فرنسا أن تكون نديدها، وقوفا شجاعا والفرنسي زاحف
تكريس ثقافة التضحية والانتماء..
بدورها تعبر الشاعرة هيلانة عطا الله عن أهمية تكريس ثقافة الجلاء لرفد الجيل الجديد بروح الانتماء والتضحية، وبأن البلاد مرت بحروب كثيرة وفي كل مرة كانت سورية تخرج منتصرة، وفي هذه الذكرى ما تأمله أن نحقق انتصارات جديدة وجلاء جديد بخروج أي طامع لبلادنا، لتعود سورية نضرة كما هو ربيع نيسان، ترفع علم النصر وعلم السلام، ومن قصيدتها “ضفائري أرجوحة” نقتطف:
شكرا حسن، شكرا خدين الروح والحرف الحميم
هذا مدادك يرتوي، من خمرة طفحت بها شفة الكروم
إذ قلت لي: لا تقلقي، ووشمت وجهك في ثنايا مرفقي
فانثال في جبري المبعثر، ومض هاتيك النجوم
عذرا إذا انتحب الندى
وإذا انطوى عبق الرؤى، مستصرخا رجع الصدى
فعلى جبيني قصة سورية، تسمو على زمن الهشيم، شكرا حسن.