عبير علي:
“ذات مرة صنعت القهوة لإحداهنّ واضطرت للمغادرة دون شربها، ولأنني لا أشرب القهوة العادية، نظرت إليها ملياً متأملة حبيباتها شاردة في لونها ورائحتها ودون شعور وجدت أصابعي تعبث بها، فكانت الرسمة الأولى وجه زنجي”.. بهذا الوصف بدأت الفنانة فردوس محمد نعمان حديثها لصحيفة الثورة عن هوايتها الرسم بالقهوة وأنها في البداية لم تأخذ الأمر على محمل الجد، وتكرر المشهد عندما بدأت برسم غزال بشكل لاشعوري “بالنسكافيه” على صحن “بلاستيكي”، وعندما جفّ لاحظت ثباته، وذات يوم كانت في مكتبها تستمع لأغاني فيروز في عيد ميلادها فراودتها رغبة الرسم ولم يكن أمامها من مواد تصلح للرسم سوى فنجان “النسكافيه”، فاعتمدت على بقايا فنجانها ورسمت وجه فيروز صديق الصباح ورفيق قهوته.
وطالما أنها لا تستطيع الحديث عن القهوة دون فضول تأمل رسوماتها العفوية، كانت نعمان أحياناً تغيّر رسوم فنجانها، فالقهوة بالنسبة لها هي الفنانة في تحريض عقولنا وخيالاتنا لفهم تشكيلاتها ورموزها، وتتفرد بين المشروبات بطقوسها المبهرة، وتاريخها الأصيل، وبخاصية ترك الأثر مرسوماً، وللرسم بها جمالية خاصة أيضاً، تجذبها ألوانها ورائحتها العالقة على اللوحة.
وعلى الرغم من انتقاد بعض الفنانين للرسم بها بحجة عدم الثبات، إلا أنها تؤكد من خلالها تجربتها “الرسم بالقهوة” والتي تتجاوز الخمس سنوات أنها استطاعت اختبار ثباتها والمحافظة عليها بطريقة محددة، والرسم بالقهوة أقرب للرسم بالمائي، لكن صعوبته في استخراج درجات مختلفة للون الواحد، ومجال تصحيح الخطأ قليل، لذلك يحتاج يداً خبيرة، وقد شاركت نعمان برسومات القهوة في معارض مشتركة كثيرة حظيت بدهشة الزائرين واستحسانهم، وخاصة عشاق القهوة، وأقامت معرضاً فردياً في مدينتها بانياس ضمّ تقريبا ٢٥ لوحة مرسومة بالقهوة، وتطمح لإقامة معرض أوسع بطريقة جديدة.
كما بحثت عن مشاهير مَن رسموا بها، فلاحظت أنهم معدودون على مستوى العالم وأنها تجربة حديثة نوعاً ما، وكانت تجربة عابرة عند كثيرين ولا تتجاوز فكرة التجريب، لكن استمتاعها الشديد بها يفرض استمراريتها، والفنان دائم الاكتشاف وهذا ديدن الإنسان عبر الزمن، لذلك فهي دائمة التجريب، وقد رسمت أيضاً بخلاصة الشوندر ومنقوع المتة والشاي والكركديه، وأي مادة في محيطها تعطي لوناً تثير فضولها للرسم بها، لكن شيئاً لم يتفوق على القهوة الساحرة بعد.