منذ مطلع الموسم الدرامي التلفزيوني الرمضاني الحالي لا تنقطع في الصحافة العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي، الكتابات حول الدراما التلفزيونية السورية. وكما تكاد لا تخلو أي محطّة تلفزيونية عربية مهمة من عمل درامي سوري، أو أكثر، تكاد لا تخلو أي صحيفة عربية مرموقة من متابعة صحفية ما، لعمل درامي سوري، ومعظم ما ينشر يمتدح في الدراما التلفزيونية السورية تنوعها وجرأتها وتطور أساليبها الفنية، بما يستجيب للرغبات المتباينة للمشاهدين العرب في النوع والموضوع، ويقدّم صورة متألقة لصنّاع الدراما التلفزيونية السورية من مؤلفين وممثلين وفنيين ومخرجين، فإذا جاءت مادة صحفية خارج هذا السياق كان مصدرها دمشق، وكان صاحبها من سورية ..
ومع ذلك فما يكتب وينشر عن الدراما التلفزيونية السورية ينطلق من ما تقدّمه هذه الدراما، وقد حاولت إحصاء عدد مشاهد الضرب في مقدمة مسلسل سوري، فلم أنجح، وعلى طريقة ما كان يقال عن المدن العراقية من أن بين كل (شاي خانة) و(شاي خانة) (شاي خانة)، كان بين كل صفعة وصفعة في المسلسل، صفعة، أو سواها من أساليب الحوار المتمدن.
لا أقول :إن مثل هذه الأشياء لا تحصل في مجتمعنا، ولكن أقول :إن من يتابع شارات بعض المسلسلات الحديثة، وفواصلها الترويجية، يخال إليه أن الضرب هو عمل روتيني يومي في كلّ أسرة سورية، وفي كلّ تجمع بشري عندنا، سواء كان مكاناً للعمل أو للترفيه. هذا من جهة، ومن جهة ثانية أثق أن قيام الدراما بالترويج – ولو عن غير انتباه – لهذا الشكل من التعامل بين البشر – وأقل ما يقال في وصفه أنه غير بشري – هو عمل شديد الأذى.
الأعجب في الأمر أن مشاهد العنف التي تحشد في مقدمات المسلسلات، أو فواصلها الترويجية، تكون في بعض الأحيان كلّ هذه المشاهد في المسلسل، وبالتالي قد لا تقدم صورة صحيحة عن العمل الذي تتقدمه، أو تروج له. فما الذي يدفع صناع العمل على تقديم عملهم بصورة غير دقيقة؟
ربما يكون الجواب في البحث عن الإثارة والتشويق، ومثل هذا الجواب إن أعطى تفسيراً فهو لا يعطي تبريراً. لأنه يحرم الدراما من وظيفتها في توجيه السلوك البشري، وفي الآن ذاته يدفع بها نحو البحث عن المزيد من الإثارة والتشويق إلى أن تصل إلى منزلق التكرار والتقليد فتفقد حتى إمكانية الاستمرار، بعد أن تكون قد فقدت أهميتها الإبداعية والاجتماعية..
في سنوات سابقة بالغت أعمال درامية في تضخيم بعض الظواهر الاجتماعية الرديئة، وإن كانت في بعض الحالات قد وجهت المشاهد ضد بعضها، فإنها في حالات أخرى كثيرة ساهمت – بشكل من الأشكال – بالترويج لها بسبب عدم اتخاذها موقفاً واضحاً منها، وتعاملها معها على أنها أمر واقع غير قابل للتبديل، ولا يحتاج للإدانة، ووفقا لما يتردد حول أعمال يجري تصويرها الآن بتنا نخشى أن يصل الجري وراء الإثارة إلى تبرير حتى جرائم القتل.