فؤاد مسعد:
تحمل العديد من الأعمال درامية رؤى فكرية ورسائل مبطنة بين زواياها، تقدّمها بإطار مغلف بالكثير من التشويق المعجون بالمتعة، مما يجعلها قابلة للقراءة على أكثر من مستوى من قبل الجمهور، ويمنحها أهمية خاصة ويبعدها عن السقوط في فخ التنظير وفجاجة المباشرة في الطرح، فقمة الإبداع ضمن العمل الدرامي قدرته على تقديم عدة مستويات للقراءة، هناك من يراه مجرد حكاية للتسلية بينما يرى آخرون ما هو أبعد من ذلك ،وهناك من يذهب في قراءته إلى مكان يلتقط فيه ما زرع بين السطور من عمق فكري ينبه وبعكس الواقع ويستشف القادم .
ضمن هذا الإطار يبرز مسلسل «الزند ـ ذئب العاصي» إخراج سامر برقاوي وتأليف عمر أبو سعدة، فيما يقدّمه من أفكار ترتبط بحقبة زمنية تتشابك فيها القوى المؤثرة في المنطقة بين أجنبية عينها على ثروات البلاد ووطنية تسعى للحفاظ على الأرض وصون الحقوق والوقوف في وجه الطغاة والمستغلين بمن فيهم الحراك الأجنبي الخفي -الأرض- حيث تجسد شخصية «المستر روس» اليد الأجنبية التي تحرك الدمى بمن فيهم «الباشا» وسعيها لوضع يدها على الأراضي واستنزاف قوى الفلاحين للعمل في الأراضي التي تمّ التآمر لسرقتها منهم، ما يُظهر دور قوى الاستعمار الغربي في المنطقة وأطماعها فيها من خلال الديون التي يثقلون فيها كاهل الفلاحين للسيطرة على أراضيهم، وهو ما يحدث في العصر الحديث ويتكرر بشكل أو بآخر في عدة مناطق في العالم. والأمر لا يقف هنا وإنما يتعداه إلى العديد من التفاصيل والمحاور الأخرى بما فيها إظهار الحالة الإيجابية عبر التمسك بالأرض ودفع الدم ثماناً لذلك، وفي المقابل إظهار دور الخونة الذي يبيعون الأرض بحفنة من المال كحال شخصية «ابراهيم» المتسلق .
كشف «الزند ـ ذئب العاصي» عبر أحداثه عن اليد الخفية التي تدير اللعبة يعكس في عمقه ما يحمله العمل من أفكار بُثت بين سطور الحكاية الدرامية فمنحتها ثقلاً لا يقلل من متعة المُشاهدة وإنما يزيد من ألقها وسطوة حضورها .
التالي