الملحق الثقافي- وفاء يونس:
ربما يكون آخر القامات الحقيقية بين المؤرخين العرب الذين لا يزالون على قيد الحياة، عاش المأساة بألوانها وأشكالها، عاشها مأساة أمة ومأساة أسرة، المؤرخ د. نقولا زيادة عزف على أوتار الزمن علماً ومعرفة وعطاء وكتب وصال وجال، يرنو إلى نهاية القرن من الزمن، والذكرة لا تزال وكأنها سيل من المعطيات يتدفق دون أن يسأله صاحبه أن يرفده بجهد د. نقولا زيادة الذي قدم شيئاً من محطات حياته في الكتاب الذي صدر عن مجلة العربي الكويتية وتحت عنوان:
إيقاع على أوتار الزمن هو في العدد 558 مجلة العربي ضيف في مساحة الحوار، حوار الأستاذ الناقد جهاد فاضل..
وهل المرور العابر بهذا الحوار يعني أن القارئ لهذه المجلة لم يكمل زاده ولأهمية الحوار يمكن الإشارة إلى بعض المقتطفات منه، لكن وقبل ذلك نعود إلى (إيقاع على أوتار الزمن) ونتوقف عند بعض المحطات في حياته.
-محطات في حياته
يقول زيادة إن الزمن الذي اتحدث عنه هو فترة تمتد إحدى وتسعين سنة وبضعة أشهر تبدأ في الثاني من كانون الأول عام 1907م وتمتد إلى اليوم كان الحديث في أيلول 2000 م-
فأنا أبواي من القاهرة ( فلسطين، ولكن والدي كان موظفاً في قسم الهندسة في الإدارة العامة لسكة حديد الحجاز التي كان مركزها دمشق ولذلك فأنا مولود في الميدان التحتاني بدمشق في التاريخ المذكور ..
كانت طفولتي حلوة هنيئة في ? أب رؤوف وأم رؤوم وصحبة أخت وأخوان أصغر مني سناً..
كانت للأسرة رحلات وسيرانات في أنحاء الغوطة..أدخلت إلى مدرسة الغرير في الميدان التحتاني، فكان أول معلمي فئة من الرهبان لاتفارقهم ( الطبشة )وهي ( أداة العقاب) التي لم ينلني منها نصيب ثم بدلنا بيتنا إلى مدرسة إنجيلية كان حصتي فيها معلمات لطيفات أنيسات وفي هاتين المدرستين مع عناية والدي بي، تعلمت مبادئ القراءة الأمر الذي كان له في حياتي المبكرة أثر كبير.
-مأساة الوالد ..
حين دخلت الدولة العثمانية عام 1914م الحرب العالمية الاولى، جند والده من أجل الخدمة كما جند الآلاف من الشباب وحشر هؤلاء في مواقع مختلفة تمهيداً لنقلهم إلى الجبهة (قناة السويس )،(مرض والده ) وكان عمر نقولا (ثماني سنوات ) نقل الأب إلى المستشفى وعن هذه الزيارة يقول نقولا : إن الذي عانيته في المستشفيات التي زرتها والمرضى الذين شاهدتهم ما كانوا يتألمون منه من أمراض وجروح فضلاً عن الإهمال والقذارة أمور لا تزال ماثلة في نفسي بعد مرور ما يزيد على ثمانية عقود من السنين ..
وفي مساء أحد الأيام عادت أمي إلى البيت ومعها كيس ألقت به إلى الأرض وقالت ( نقولا.. أبوك مات، وهذه ثيابه).
وكان كل ما نملك يومها ليرة عثمانية ذهبية واحدة، كان أول من أعاننا إلى أن يأتي الفرج من الناصرة غبطة البطريرك جريجوريوس حداد بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس .. لما عدنا إلى بيت جدي لأمي في الناصرة تعهد خالي سامي وخالتي صوفيا وكان الاثنان يعملان في وظيفتين لهما راتب محترم بأن يكونا عوناً لأمي، إلا أن الحظ السيئ كان بانتظارنا فقد توفي الاثنان خلال بعض الوقت، ووقع على أمي عبء العناية بأسرة كبيرة.
-ثقافته وتحصيله العلمي
يشير د. زيادة إلى أن أول كتاب قرأه كان ( ألف ليلة وليلة ) فقد كان هناك جار قريب عنده كتب تكرم بإعارتي ما عنده ومن كتب الإعارة ايضاً ( تغريبة بني هلال ) و( قصة الملك سيف ين ذي يزن ) وبعض أعداد من مجلات قديمة كان يحتفظ بها .
في عام 1919م دخل مدرسة حكومية في جنين في 1921 م نجح في امتحان الدخول لدار المعلمين الابتدائية وبعد ثلاث سنوات حصل على شهادته وعمره 16 عاماً قبض أول مرتب في عام 1924م وكان عن نصف شهر هو عملي الأول في التعليم الذي ظللت فيه أي التعليم حتى سنة 1991م .
في لندن قضى سنتين من 1947إلى 1949 م حيث كتب رسالة دكتوراه عن سورية في العصر المملوكي الأول ..
وضع نحو أربعين كتاباً وترجم عن الإنكليزية ولا يزال يكتب في الموضوعات التاريخية ( وأنا أتعلم من أخطائي حتى الآن، ولا ضيرعلينا أن نستمر في التطور إذا كنا نريد التقدم ).
-وجها لوجه ..
في حواره مع الأستاذ جهاد فاضل يتوقف د . زيادة عند معطيات التاريخ ويضيء من خلال الأسئلة الدقيقة والمتميزة التي وجهها إليه فاضل، يضيء نقاطاً لا بد من الإشارة إليها والعمل على نشر مثل هذه الإضاءات ووصولها إلى المهتمين في أنحاء العالم كله، حول أسفار التوراه يقول د. زيادة : التاريخ يقول إن هذه الأسفار بدأ تدوينها في القرن السابع قبل الميلاد ولم تقبل رسميا إلا في القرن الأول بعد الميلاد، اذاً لدينا شيء ليس مزوراً لكن هذا هو الذي كان موجوداً – سرقوه من شعوب المنطقة – إنما كان اليهود يعتقدون أنه حصتهم وحدهم وقد أثبتت البحوث الأثرية أن القدس لم تصبح مدينة إلا في القرن السابع قبل الميلاد وكل ما كان هناك إلى ذلك الوقت هو مجرد قرية و القرية لا يبنى فيها هيكل..
ويرى د. زيادة أن الصهاينة درسوا الغزوات الصليبية ليستفيدوا من أخطائها فالصليبيون لم يستطيعوا البقاء لأنهم كانوا قليلي العدد والصهاينة يحاولون تجاوز هذه الحالة وإسرائيل ستذوب مع الوقت ولكن ليس عن طريق الاجتثاث بل عن طريق منع التطور، العرب اذاً استطاعوا أن يقوموا بهذا العمل – فهم عندئذ الذين سينقذون البلاد هذه البلاد، لم ينقذها أحد من خارجها لن ينقذها من اليهود إلا أبناؤها، أبناء المنطقة فإذا تخلى الأوروبيون والأميركان في يوم من الأيام عن إسرائيل وكان العرب قد دفعوا بأنفسهم إلى الأمام عندئذ تصبح القضية قضية أقلية يهودية في مجتمع عربي قوي وناهض عندها تنعكس الآية وتزول إسرائيل تزول من الوجود سياسياً وقد يعاود اليهود الهجرة من جديدة كما هاجروا من قبل وهم معتادون كما نعرف على الهجرة..
العدد 1143 – 9-5-2023