الثورة – كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
يحيي الشعب الفلسطيني اليوم الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة، إذ يختزل يوم الخامس عشر من أيار عام 1948 النزعة الإرهابية للكيان الصهيوني الغاصب التي جعلت من فلسطين جرحا نازفا لم يندمل حتى اليوم كما تحيي الأمم المتحدة، ولأول مرة منذ ذلك التاريخ هذه الذكرى بمقرها في نيويورك، الأمر الذي يشكل اعترافا دوليا بالنكبة، وبالمجازر الوحشية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وهو اعتراف دولي أيضا بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والمستندة إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها حق العودة المنصوص عليه في القرار الأممي رقم 194.
قبل خمسة وسبعين عاما قامت العصابات الصهيونية في هذا التاريخ وبمساعدة مباشرة من سلطات الاحتلال البريطاني آنذاك بطرد وتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم بعدما ارتكبت بحقهم مجازر وحشية راح ضحيتها آلاف الشهداء، فضلا عن تدمير مئات القرى والمدن الفلسطينية، وإحلال عشرات المستوطنات مكانها، ليتحول الفلسطينيون المهجرون إلى لاجئين في الدول المجاورة، وهم لا يزالون يحتفظون بمفاتيح منازلهم على أمل العودة القريبة إلى أرضهم وديارهم التي شردوا منها عنوة وتحت تهديد السلاح.
يستحيل على الذاكرة الفلسطينية والعربية، أن تنسى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين منذ إنشائه قبل 75 عاما، بدءا من مجازر دير ياسين والقدس وحيفا وقبية وحتى مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف وقانا ومخيم جنين وصولا إلى الانتهاكات اليومية ضد المقدسات والأماكن الدينية في القدس وخاصة المسجد الأقصى الذي يتعرض يوميا للاقتحامات الاستفزازية المستمرة من قبل المستوطنين والحاخامات المتطرفين وجنود وشرطة الاحتلال.
يوم الخامس عشر من أيار عام 1948 لم يكن بداية النكبة، وإنما بدأت قبل عقود طويلة عندما سارعت دول الاستعمار القديم إلى تنفيذ مطالب المنظمات الصهيونية العالمية بإنشاء “وطن لليهود”، وهنا يحضر وعد بلفور المشؤوم عام 1917، الذي يعد واحدا من أخطر فصول المؤامرات التي حيكت لمنطقتنا العربية، والمتواصلة حتى اليوم بهدف تفتيتها وتدميرها، وهذا الوعد المشؤوم أطلق يد العصابات الصهيونية لترتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية، فاستشهد آلاف الفلسطينيين بسلسلة مجازر وعمليات قتل ممنهجة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تعمل قوات الاحتلال بكافة السبل على طمس المعالم التاريخية والحضارية لفلسطين التاريخية، منها التوسع الاستيطاني ومصادرة الأرض، ومصادرة أملاك الغائبين، وهدم المنازل والبيوت والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وتهويد أسماء المواقع الفلسطينية،وسرقة ثروات وتراث الشعب الفلسطيني، ونسبته للكيان الصهيوني.
الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلا ولم يزل من ويلات الاحتلال والمؤامرات، لم يقف مكتوف الأيدي، فمسيرة نضاله وكفاحه لم تهدأ يوما، ولم يزل متمسكا بأرضه وحقوقه المشروعة، ولن يفرط بهذه الحقوق أو يساوم عليها، وبفضل المقاومة البطولية التي يبديها هذا الشعب الصامد، بمساعدة المحور المقاوم في المنطقة وعلى رأسه سورية، فإنه يقف سدا منيعا أمام مخططات الاحتلال لاستكمال عمليات التهويد الممنهجة، واستولد على مدار العقود الماضية أجيالا متعاقبة تقدس الأرض وترفض كل أشكال الاحتلال، وتتمسك بكل إصرار وعزيمة بحق العودة الذي كفلته كل الشرائع والقوانين الدولية، وهو لا شك المنتصر في النهاية، فيما الاحتلال زائل لا محالة.
