الثورة – يمن سليمان عباس:
أمل دنقل واحد من أشهر الشعراء العرب المعاصرين الذين عبروا كالشهب ولكنهم تركوا الأثر المتوهج إبداعياً الذي لا يخبو..
فمن منا لم يردد مقاطع من معلقته الشهيرة ( لا تصالح) التي جاءت رداً على زيارة السادات للقدس المحتلة وتوقيعه ما سمي( الصلح )
فكانت قصيدة أمل دنقل علامة فارقة وشاهداً على مرحلة دفع الشعب العربي ثمنها.
أمل دنقل كما تسميه رفيقة دربه عبلة الرويني ( الجنوبي ) في كتاب حمل العنوان نفسه وقد صدرت طباعات كثيرة منه ولاقى صدى متميزاً
تقول في قراءته سعاد
(تبدأ عبلة الرويني كتابها من حيث بدأت علاقتها بأمل، الشاعر المعروف بالصلف والحدة، وقد كانت محررة أدبية بدار أخبار اليوم رأت أن تجري معه حواراً، وقد ووجهت من إدارة الجريدة بمعارضة “جاهزة” ضد الشخص تحديداً. وصايا زميل صحفي قائلاً: “حذار منه، ستجدينه سليط اللسان، شديد القبح مثل كل الشيوعيين، تشمين رائحتهم عن بعد” (ص 17) وأيأسها آخرون من الحصول على حوار معه، فإنه شديد التعالي، مغرور!! مع هذا ذهبت إليه على مقهى ريش، وتكرر الذهاب حتى عثرت عليه، لكنه قبل إجراء الحوار صدمها بكل ما يجعل ما قيل عنه صحيحاً. قالت له مجاملة: “كنت أظنك أكبر قليلاً. ضحك بصوت مرتفع: يبدو أن عندك عقدة الكترا. ولم استفز أيضاً، بل ابتسمت: اطمئن، لن أحبك” (ص 19) وفي هذا اللقاء الأول حدق في وجهها – تلك التي ستكون زوجة – بطريقة غريبة – كما تقول – وسألها:
– “هل تخجلين من الحبوب المنتشرة في وجهك؟
وخجلت بالفعل، وارتبكت من السؤال المباغت حتى بادرني: أني أحب هذه الوجوه” (ص 82).
أكثر من صديقة
وتكررت اللقاءات، وفي اللقاء الرابع قال، دون أدنى مقدمات: “يجب أن تعلمي أنك لن تكوني أكثر من صديقة! حرك هذا التحذير الاستفزازي انفعالاتي، فبدت عارية:
ـ أولاً أنا لست صديقتك، كما أنني لا أسمح لأحد بتحديد مشاعري متى تتزايد أو تتناقص، إنني وحدي صاحبة القرار في علاقاتي بأصدقائي” (ص 23). وعن الشعر حسب دنقل فهو:
“الشعر هو التماسك العقلي والنفسي القوي، والاتساق الوحيد، والبناء الموضوعي شديد الإحكام الذي حقق لأمل إعادة خلق العالم المرفوض حوله من جديد لحسابه الخاص” (ص 10) وتقول، لقد أدرك أمل دائماً أن قوته الحقيقية هي شعره.. هو التوازن والسلاح القوى المشهر.. الزهو والثقة والكبرياء” (ص 11) وهو يرى أن الشعر معارضة مستمرة، “حتى لو تحققت القيم التي يحلم بها الشاعر، لأن الشعر هو حلم بمستقبل أجمل، والواقع لا يكون جميلاً إلا في عيون السذج” (ص 21) والشعر يأخذ ماهيته الأساسية من صلته بالجمهور، ولأن له دوراً اجتماعياً وسياسياً ينبغي أن يكون ملموساً وملحوظاً لا أن يكون ملغزاً أو متعالياً على الجمهور (ص 48) ولهذا. وقف ضد من أسموا أنفسهـم شعراء السبعينيات ممن ارتدوا عباءة أدونيس، ووصف هذه العباءة بأنها مضللة (ص 9) “حيث يستخدمون الحداثة الفنية هروباً من الحداثة الفكرية، والتي لا تفعل أكثر من تحديث العين العربية، تاركة تحديث الفكر والوجدان العربي”
أما “طقوس” كتابته لقصيدة فإن شاعراً – في هذا الأمر بالذات – لن يشبه شاعراً آخر، ودون أن نتطرق لهذا الجانب، فإنه لا بد أن يكون متأثراً بهذه الحدة، وهذا التركيز العنيف على الذات الذي اتصفت به سلوكيات أمل دنقل، الذي ذهب مبكراً، وانتصر على الموت – كما يقول الدكتور يوسف إدريس في رثائه – إذ ذهب جسده، وأصبح صوتاً خالصاً…. صافياً)
أما قصيدته البكاء بين يدي زرقاء اليمامة فهي قراءات في خراب الكون والإنسان.. يقول دنقل:
فها أنا على التراب سائلٌ دمي
وهو ظمئُ.. يطلب المزيدا
أسائل الصمتَ الذي يخنقني:
” ما للجمال مشيُها وئيدا.. ؟! ”
أجندلاً يحملن أم حديدا.. ؟!”
فمن تُرى يصدُقْني؟
أسائل الركَّع والسجودا
أسائل القيودا:
” ما للجمال مشيُها وئيدا.. ؟! ”
” ما للجمال مشيُها وئيدا.. ؟! ”
أيتها العَّرافة المقدسة..
ماذا تفيد الكلمات البائسة؟
قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ..
فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار !
قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار..
فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار !
وحين فُوجئوا بحدِّ السيف: قايضوا بنا..
والتمسوا النجاةَ والفرار !
ونحن جرحى القلبِ،
جرحى الروحِ والفم
لم يبق إلا الموتُ..
والحطامُ..
والدمارْ..
وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهارْ
ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسرِ،
وفي ثياب العارْ
مطأطئات الرأس.. لا يملكن إلا الصرخات الناعسة !
ها أنت يا زرقاءْ
وحيدةٌ … عمياءْ !
وما تزال أغنياتُ الحبِّ .. والأضواءْ
والعرباتُ الفارهاتُ .. والأزياءْ !
فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
كي لا أعكِّر الصفاء .. الأبله.. المموَّها.
في أعين الرجال والنساءْ !؟
وأنت يا زرقاء ..
وحيدة .. عمياء !
وحيدة .. عمياء !