العروبة جوهر التواصل

الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:

سؤال الثقافة العربية المعاصرة كان ولا يزال، وبعد أكثر من عقد من الزمان، وفي ظل التحديات والعواصف العالمية التي تضرب بكل اتجاه أمتنا ومنطقتنا: لماذا تقدموا،ولماذا تأخرنا؟ وكيف نتقدم؟.
يطرح هذا السؤال اليوم بقوة أمام ثقافتنا باعتبار الثقافة حاضنة عملية الإبداع والإنتاج المعرفي للأمة جسر التحول والانتقال إلى التقدم.
مهما كان العصر الذي نعيش أو المجتمع الذي نحن فيه، فتقدمنا لن يكون مفصولاً عن ظروف مجتمعنا وأمتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وعن الصراع الذي نشهده مع أنفسنا ومع محيطنا ومع مستقبلنا وجدلية الحاضر والمستقبل، وبين إمكاناتنا وتطلعاتنا.
إننا بحاجة إلى عملية إنتاج فكرنا وثقافتنا من جديد، فالحياة تتغير، وكذلك الظروف والأهداف والتطلعات والأدوار تتغير.
فما كان قبل أكثر من عقد من الزمان، تغيرت الكثير من الأفكار والنظريات والقناعات، فصارت الأمور بحاجة إلى تجديد بالاعتماد على الخبرات والتجارب.
الفيزيائي لا يكون فيزيائياً إذا لم يدخل مرحلة التجربة والخبرة، وكذلك الطبيب والكاتب، وهكذا الأمة والشعب كل شيء يدخل في اختبارات، تمنعها الظروف والتحديات وتخرجها بأوضاع جديدة تختلف عن السابق.
وعملية إنتاج الثقافة تتطلب عملية الإبداع وإنتاج الفكر في كل جوانب الحياة ولا تنحصر في مجال أو جانب واحد، فمثلاً ليست محصورة في جنس الأدب كالرواية أو الشعر أو المسرح بل تتعدى لتشمل مجالات الحياة كلها السياسبة أو الاقصادية أو الاجتماعية أو العلمية أو الفنية، ولابد أن تشمل عملية إنتاج الفكر والمعرفة جميع أشكال الحياة ومستويات وأنماط التفكير والمنطق والرؤى وأن تقتحم كل ميادين العلم المشخصة.
ومن هنا فإن أمام مشروعات الثقافة العربية المعاصرة أسئلة عميقة ومصيرية للخروج من الواقع الراهن إلى واقع مستقبلي أفضل يحاكي المتغيرات ويستشرف آفاق المستقبل، ويكون قادراً على تحويل التطلعات إلى أهداف واستراتيجيات وخطط للعمل العربي المشترك وتجاوز المشكلات المتراكمة التي راكمتها ظروف السنوات 12 الماضية وتصنع مشروع الثقافة الطموح المنشود الذي يحقق للأمة العربية تطلعاتها وأهدافها الطموحة.
لقد استهدفت الحرب على سورية والمنطقة بالعموم خلال السنوات الماضية أمتنا في فكرها وثقافتها ومشروعها التقدمي والتنموي وقبل كل شيء إنسانيتنا وهويتنا وانتمائنا.
وباعتبار الإنسان هو حامل الثقافة ثقانة المجتمع والأمة في هذه اللحظة التاريخية، فهو كلمة السر في المواجهة والمراجعة الفكرية لمشروع الأمة العربية ثقافياً وفكرياً.
لذلك فالثقافة اللصيقة بالفرد والمجتمع والأمة هي القادرة على معالجة الأمراض المجتمعية السارية نتيجة الزلزل الذي تعرضت له الأمة ثقافياً وفكرياً.
فقد أفرزت الحرب مشكلات تعاني منها الشعوب في الداخل ومن تبعات سياسات الاستهداف الخارجي للأمة، فالأمة التي شهدت اعتداءات وحروباً عانت الكثير في أنماط حياتها وتفكيرها وثقافتها، فمسرحية بستان الكرز لانطون تشيخوف الذي يوصف لنا حالة المجتمع الروسي نتيجة الحرب والصراع الطبقي بين طبقات مهددة بالانقراض وطبقات أنتجها اقتصاد الحرب وأثرياؤه ونمت فيه بورجوازيات جديدة على حساب حطام طبقات اجتماعية أهمها الطبقة الوسطى.
طبعاً لكل مجتمع وأمة مميزاتها وصفات ها تنفرد بها عن الأخرى، ولا يمكننا التعميم.
وفي حالة ثقافتنا يلعب العامل العروبي دوراً مهماً في تشكيل ثقافتنا ودور أمتنا الحضاري،ولا يمكن فصله عن واقعنا ومشروعنا الثقافي وتجاربنا وظروفنا وتكويننا التاريخي.
يركز المشروع المعادي لأمتنا في وقتنا الراهن، وحتى وقت سابق، أثناء العمل لتأسيس فكر ثقافي قومي عربي أواخر القرن التاسع عشر على نزع جذور أمتنا القومية، أو تشويهها من خلال وصمها بالشوفينية والعنصرية، لإعادة إنتاج الثقافة العربية بمعزل عن الانتماء والهوية العربية الأصيلة والمتأصلة في تراثنا لإيجاد ثقافة غريبة ومتغربة عن واقعنا ومشروعنا وتكون مرتبطة بثقافة غربية وغريبة عن انتمائنا وهويتنا.
هذه القضايا أوقعت الثقافة القومية العربية وفي ظل الانقسامات العربية الرسمية وليست الشعبية، في معضلة إثبات الحضور وأن تكون أو لا تكون، والبحث والتثبت بركائز الأصالة والهوية والانتماء لقيام ثقافة مجتمعية عربية تعيد إنتاج الثقافة القومية العربية التي عانت ضعفاً في الهدف وتراجعاً في الدور والممارسة لإثبات الحضور الإنساني في العالم وتجاوز المحنة والمعاناة التي وقعت بها الأمة نتيجة الاستهداف الخارجي.
إن الظروف الجديدة التي تمر بها أمتنا في وقتنا الراهن تخلق مناخاً رحباً من آفاق العمل العربي المشترك وتجاوز المحنة والمعاناة التي وقعت بها المنطقة والعالم، ولعل الأجواء التي خرجت بها القمة العربية في جدة يمكن أن تسهم في تجديد طاقات الأمة وتحيي عوامل تجديد ثقافة الأمة العربية وفكرها القومي العربي وإحياء فكرها وتفكيرها بمستقبل زاهر وواعد، ويعزز دور ثقافتنا المسؤول ووعيها لواقعها ودورها وآلية تعاطيها مع الواقع الجديد للعالم التي تسمح لتعزيز عملية الإبداع وفتح آفاق رحبة للتقدم الإنساني الحضاري لأمتنا باعتبار تعزيز الفكر والإبداع تعزيز لثقافة أمتنا القومية وبالتالي امتلاك ناصية التقدم والتطوير والتنمية لأمتنا العربية.
فالثقافة التي تعد العنصر المؤسس والداعم والحامي للهوية العربية بعامة، والعروبة الثقافية بخاصة بكل ما تمثله من قيم ومثل وسلوكات موروثة، والتي تتعرض لتحديات ومخاطر بدأت إفرازاتها تطفو على سطح الواقع العربي متمثلة بالغزو الثقافي الخارجي، وفرض المنظور الثقافي الغربي على المجتمعات العربية، تتطلب من العرب كأمة تعزيز مشروعها القومي باعتباره أساس ومحور أي تقدم ثقافي قومي عربي يستثمر المناخ الجديد التقارب العربي.
وعلينا كما أشار السيد الرئيس بشار الأسد في القمة العربية بجدة ألا نغرق الأجيال بمعالجة نتائج المشكلات، وإنما بمعالجة أسبابها، وهو ماينطبق على واقع ثقافتنا ومستقبلها.
    

العدد 1145 –  23-5-2023  

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص