تشهد العاصمة دمشق والمدن السورية في صالاتها العامة والخاصة، موجة كبيرة من المعارض الفنية التشكيلية الجماعية والفردية، الشيء الذي يؤكد من جديد أن الفن هو الحياة، وأن النشاطات الثقافية عندنا، ستستمر وتتواصل وتتكاثف حتى في أصعب وأحلك الظروف الاقتصادية.
والمعارض الجماعية المتواصلة من دون توقف أو انقطاع، تشكل في أحيان كثيرة مدخلاً لإيجاد حوار ثقافي وفني مفيد وبناء، لأنها تجمع بين فنانين مخضرمين وفنانين شباب، وتعمل على تعزيز وتوطيد وتفعيل آفاق الحوار والسجال الثقافي بين الأجيال، وتؤدي إلى بلورة التجارب الفنية الجديدة، وتدفعها خطوات إلى الأمام.
كما أن وجود أعمال لبراعم فنية في معارض تضم أساتذة وأسماء فنية راسخة، هو بحد ذاته تكريم للأسماء الفنية الجديدة، وخاصة أسماء التجارب اللافتة والمميزة، والتي بدأت خطها التصاعدي على الصعيدين التكويني والتلويني، وأصبح لها معارض فردية، تؤكد حضورها الفاعل، ومساهمتها في نشر الجمال والثقافة الفنية البصرية، وهذا يحد من انتشار الجهل، وعدم الإحساس بقيمة العمل الفني، ويساهم في مواجهة نزعات التطرف والتعصب الأعمى للموروثات والتابوات التي تشكل خطراً تدميرياً على الثقافة الفنية العصرية والمتجددة.
فالفن ثقافة (سواء أكان فناً كلاسيكياً أم رومانسياً أو واقعياً أو انطباعياً أو تكعيبياً أو مستقبلياً أو تجريدياً أو سوريالياً أو أي اتجاه آخر) فالعمل الواقعي على سبيل المثال، ارتبط بالتحريم، والتمسك به، والعمل على إحيائه، يمثل ثورة على المعتقدات الخاطئة، ويشكل تحدياً لمن يحاولون إعادتنا إلى العصور الحجرية الغابرة في فجر التاريخ. ولإزالة الالتباس نشير إلى أن عقدة الصنم جاءت من المرحلة الوثنية، وكانت تشمل الأعمال النحتية التي أعدت للعبادة حصراً، ولم ترتبط بالأعمال النحتية والتصويرية الواقعية، التي جاءت قبل وبعد المرحلة الوثنية، ولو كان الأمر غير ذلك، لكنا اعتبرنا فن المنمنمات الإسلامية من المحرمات.
هكذا نجد أن الفنان أكان واقعياً أم تجريدياً أو ينتمي لأي اتجاه فني قديم أو حديث، هو صاحب رسالة تنويرية، تساهم في إخراجنا من أهوالنا وأزماتنا ومشاكلنا وضياعنا، وتعمل على الارتقاء بالحساسية البصرية والروحية، وتساهم في تغيير الأذواق الفنية، بما يتلاءم مع ثقافة وفنون القرن الماضي، قرن التحولات والانقلابات الفنية الكبرى، التي أخرجت الفن من مداره ووضعته في مدار جديد، لايزال العالم كله يدور في فلكه.
التالي