فؤاد مسعد
ترجل اليوم مبدع من الطراز الرفيع هو الفنان التشكيلي والموسيقي والصحفي والكاتب أيمن الدقر «1954 ـ 2023»، المبدع الراحل الذي نعته وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين في سورية، سبق له أن شغل منصب رئيس فرع دمشق لنقابة الفنون الجميلة عام 1994 ونقيب الفنون الجميلة في سورية عام 1998، وخلال تلك الفترة كان أول الساعين إلى تسمية المدارس بأسماء الفنانين التشكيليين.
الراحل خريج كلية الفنون الجميلة، وأقام العديد من المعارض للوحاته داخل سورية وخارجها «ألمانيا، السعودية ..»، وعمل في ميدان الصحافة والكتابة كما قام بتأليف وكتابة سيناريو مسلسل «حارة المشرقة» الذي تم تصويره عام 2015 وقام بإخراجه ناجي طعمي وأنتجته المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، وكان لديه مشاريع أخرى ضمن هذا الإطار يسعى إلى إنجازها. كما قام بتعليم الرسم ما جعله يشعر بمتعة كبيرة، وقدم خلال سنوات عطائه الكثير من اللوحات حاملة معها دلالاتها وعمق معانيها وأبعادها وحرص في الكثير منها على إبراز التفاصيل فنجد في إحداها «على سبيل المثال» الآثار الآشورية والنقوش الإسلامية والجو الكنسي عبر اللون والإضاءة ووضع دائل رمزية عن مراحل تاريخية في المنطقة كالحلي التدمري والدمشقي، وكان للمبدع الراحل رؤاه التي عبر عنها في أكثر من مكان، وأذكر في آخر لقاء أجريته معه ونشر في صحيفة الثورة بداية العام الحالي حديثه عن الدهشة التي يصنعها العمل الفني لدى المشاهد، وقال:»اللوحة التي لا تدفعك إلى الدهشة والتأمل لا داعي لها، فدائماً كنت أقول لطلابي لا يكفي أن تكون اللوحة جميلة، وينبغي أن يكون فيها دائماً فكرة وخبرة وجمال، وعمل وجهد إنساني».
كان خلال مراحل عمله كلها دائم الشغف بهواجس تسكن روحه ساعياً إلى ترجمتها أعمالاً تعكس ما يرغب في تكريسه على الصعيد الفني والإبداعي، وما إن يتحقق جزء منها حتى تكبر وتمتد بتصميم كبير وإرادة حقيقية في إنجاز المختلف، لم تكن وليدة اللحظة وإنما جاءت من تراكمات وخبرات ومنهج عمل وثقافة، تنصهر معاً لتُقدم وفق صيغة مشاريع إبداعية، وفي كل مرة كان يمتحن نفسه عبر أفق أكثر رحابة ويعيش تحدي الذات من خلال ما يمتلك من معارف وأدوات مكرساً حضوره الإبداعي، حتى تحوّل كلّ إنجاز يحققه إلى لبنة يخطو من خلالها قدماً نحو اقتراحات فنية أكبر، وإلى درجة من سلم طويل يحفل بالنجاحات والتحديات.
برحيله خسرنا قامة فنية وثقافية وإبداعية، ولكن يبقى العزاء بما سطره من إنجازات راسخة ضمن الذاكرة ومن إرث إبداعي وفني وفكري وجمالي وحضاري لا يمحوه الزمن لأنه راسخ لايموت.