ربما كان الفيسبوك هو أنجح وسيلة حديثة لتكريس نوع من الفردية “غير المحبّبة”.. أو السلبية.. الفاقعة.. الفجّة..
والأهم غير الواعية بأهمية أن تكون ركيزتها الأولى قائمة على (ذات) حقيقية لا مصطنعة..
هل كل من يتحدث على الموقع الأزرق يمتلك ذاتاً واعية ومنفتحة على الآخر؟
بالطبع لا.
الفخ الأول الذي يتصيّد من يصدّرون أنفسهم على أنهم (مؤثّرون)، هو عدد الأصدقاء “الافتراضيين”، وكم المتابعين، ومن ثم المعجبين الذين تبدو وظيفتهم الأولى التهافت على غرس خيار (اللايك- الإعجاب) وكأنهم جمهور تابعون لا أكثر.
هل هذا النوع من (الفردية) الافتراضية أفرز ذواتاً فاعلة بشكل حقيقي وملموس..؟
والسؤال الأهم: هل كرّست هذه الفردية ذواتاً فاعلة أم مكشوفة..؟
يقول (بول ريكور): “إن ما نسميه الذات ليس بالمُعطى منذ البدء، وإذا أُعطيت فهناك خطرٌ أن تُختزل إلى ذاتٍ نرجسية أنانية هزيلة”..
تهويل “الوهم” الذي يتقن فيسبوك، على رأس قائمة مواقع التواصل، صناعته يحوّل الكثيرين ممن يظنون أنفسهم “مؤثرين” إلى ذواتٍ أنانية، غارقة من دون وعي بنرجسيتها.
لا يطبّق ذوو المنشورات المغرقة بذاتيتها/فرديتها النصيحة التي أطلقها (ميشيل فوكو) ذات يوم: “إن الاهتمام بالنفس ليس استعداداً بسيطاً ومؤقتاً في الحياة… علينا أن نكون من أجل أنفسنا، وطوال وجودنا، وأن نجعل ذاتنا موضوعنا الخاص”..
هم لا يطبّقونها لأنهم، ببساطة، يجعلون من ذواتهم موضوعاً عاماً، بطريقة مبالغ بها وطوال الوقت.. فيصيرونها مجرد اختزالات هزيلة.
السابق
التالي