الثورة – لميس عودة:
لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة، صدحت بها حناجر المقاومين في جنين ومخيمها في كل معارك المواجهة التي خاضوا غمارها، وبكل عملياتهم البطولية رداً على جرائم العدو الإسرائيلي وطغيانه، فلا تهديداته أوهنت عزائمهم، ولا ترسانة أسلحته الفتاكة ومجنزرات حقده ومدرعات إجرامه ولا غارات عدوانه الهمجي تثنيهم عن أداء واجب مقارعة الغاصب المحتل حتى اندحاره، ولا كذبة جيشه الذي لا يقهر حالت دون إقدامهم وبسالتهم، وتمسكهم بالمقاومة لاستعادة الحقوق السليبة، فغدت المدينة أيقونة للمقاومة والبطولة والفداء وعاصمة للشهادة.
تعرف جنين جيداً في كل مرة كيف توجع المحتل وتعرف كيف تنهض بعد كل عدوان أو اجتياح إسرائيلي همجي أعظم شموخاً وعزة وأشد تصميماً وعزماً وبأساً ومقاومة مستمرة حتى اندحار الاحتلال وزواله، ويعرف مقاوموها كيف يجعلون العدو الغاصب يحسب ألف حساب للمواجهة المباشرة على أرضها وأزقة مخيمها، وبين بيوتها العابقة بعطر الشهادة والممتدة على مساحة من الوجع والحصار.
فلا بقاء ولا ديمومة لمحتل غاشم، ولا فتاء للمقاومين مهما أوغل الاحتلال بغيه وإجرامه، فمتلازمة الصمود والمقاومة هذه تسير وفقها الأجيال الفلسطينية، وبوصلتهم تحرير كامل تراب وطنهم، ففي حسابات الذود عن الأرض وفي معادلة الكرامة والتشبث بالحقوق تنسف مخططات تصفية القضية الفلسطينية وتتهاوى مشاريع التهويد والاقتلاع بضربات الرفض والتصدي المحكمة من أبناء الأرض الأصليين.
بسالة المقاومين وهزائم العدو..
في الثالث من تموز وقعَ الاجتياح الإسرائيلي الجديد لمدينة جنين ومخيمها، ويعتبر ثالث اجتياح عدوانيٍ كبيرٍ للمدينة هذا العام في أقلّ من 7 أشهر – بعد أسبوعينِ فقط من المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال وارتقى خلالها شهداء وجرحى.
إذ يحسب العدو الصهيوني ألف حساب للمقاومين في جنين الذين خبر بطولاتهم في معارك المواجهة، لذلك كل مرة يستهدفها بالغارات الجوية وبقصف مدفعي، ويتحاشى كثيراً الاجتياحات بقوات برية بالرغم من امتلاكه ترسانة ضخمة من أسلحة فتاكة لما يتوقعه من مقاومة شرسة من مقاوميها، فالمقاومون داخل المدينة والذين نجحوا طوال الأشهر الماضية في إيقاعِ عشرات الجرحى في صفوفِ جيش الاحتلال عبر عبواتهم الناسفة محليّة الصنع وقنابل المولوتوف، ولكن الأمر الذي أثار ذعر الاحتلال أكثر هو نجاحَ مقاومين في المدينة بإطلاقِ صاروخٍ محلي الصنع ما أثار خشية الاحتلال من تنامي القدرات القتالية للمقاومين وتطور إمكاناتهم في جنين.
في اجتياح 3 تموز لجنين ومخيمها استبسل المقاومون في سبيل المواجهة مع جنود الاحتلال الغزاة رغم التفاوت الكبير بالعدد والأسلحة بين جيش الاحتلال، وعدد وإمكانات المقاومين البسيطة المتاحة، اذ لم تتوقف الاشتباكات المسلحة سواء إطلاق الرصاص أو تفجير العبوات من قبل المقاومين في جنين، فقد فجرت المقاومة عبوات ناسفة في آليات عسكرية للاحتلال واستهدفت الجنود الصهاينة بصليات من القنابل والرصاص خلال محاولات التوغل في جنين باتجاه المخيّم الذي لاتزيد مِساحته عن نِصف كيلومتر مربّع، وتصدى المُقاومين لأكثر من 150 دبّابة ومُدرّعة، وأسقطوا أربع طائرات مُسيّرة، وقدّموا عشرة شُهداء، وأكثر من مئة جريح، بينما كانت خسائر جيش الاحتلال الذي يملك آلة حرب وترسانة سلاح ضخمة ومحمي بالمُسيّرات والطّائرات العموديّة، أضخم من ذلك عشرات المرّات، من القتلى والجرحى فالعدو يتكتم على خسائره الحقيقية ويفرض رقابة عسكريّة شرسة على وسائل الإعلام لمنع نشر الحقائق، إضافة إلى الخسائر المعنويّة والنفسيّة ووقعها الكبير على قطعان المُستوطنين ومتزعميهم.
تاريخ من الاستهداف الممنهج..
بالرغم من أن المساحة الصغيرة التي يقام عليها مخيم جنين التي لا تزيد على نصف الكيلو متر إلا أن أهميته المحورية كبيرة للقضية الفلسطينية كمنطلق للعمليات الفدائية من جهة، وكشاهد على الوحشية والإجرام الإسرائيلي على مر سنوات من استهدافه وتدمير القسم الأكبر من بيوته إضافة إلى بناه التحتية.
فمن مخيم جنين تنشط المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما يجعله نقطة استهداف دائمة، وموقعاً حساساً تحاول سلطات الاحتلال تدميره ومحو أثره بشتى الطرق، وقد تم تدميره بالكامل تقريباً في العام 2002 نتيجة العدوان الإسرائيلي عليه حينها.
شهدت مدينة ومخيمها مؤخراً هجمات عدوانية شرسة ومكثفة من قبل قوات الاحتلال خاصة عام 2021، ومع تصاعد الأحداث الأخيرة في تموز الجاري عام 2023، أصبح هذا المخيم إلى جانب مدينة غزة رمزاً رئيسياً للمقاومة الفلسطينية.
يُذكر أن المنطقة التي أنشئ فيها مخيم جنين هي بحد ذاتها ذات أهمية تاريخية في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال فقد كانت منطقة جنين معقل أول مقاومة فلسطينية منظمة ضد الحكم البريطاني، بقيادة المجاهد السوري البطل عز الدين القسام، الذي استشهد في معركة عام 1935 في يعبد، على بُعد 18 كيلومتراً فقط غرب جنين لذلك تسمى جنين بـ “جنين القسام” تيمناً بقائد الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني البطل عز الدين القسام.