الثورة – بيداء الباشا:
بين تقرير البرنامج الوطني التنموي مابعد الحرب على صعيــد الاقتصــاد الكلــي أن سورية حققت قبــل الحــرب معــدلات نمــو مقبولــة، وحصــل تحســن بســيط في التركيــب الهيكلــي للاقتصــاد الوطــني، وتحســن ملحــوظ في نســبة مســاهمة العوامــل النوعيــة (مجمــل إنتاجيــة العوامــل)، كمــا تحســن مســتوى الاســتثمار الخــاص مــع بقــائه مركــزاً في المحافظــات الرئيســية وفي قطاعــات (المــال والتأمــن والعقــارات)، و كان الاســتثمار الأجنـبـي محــدوداً ومركــزاً في قطــاع النفــط والغــاز، مقابــل تراجــع الاســتثمار العــام وتركــزه في قطــاع الخدمــات الاجتماعيــة وقطــاع المرافــق العامــة، مــع غيــاب التوزيــع العــادل للاســتثمار العــام بـيـن مختلف المحافظـات .
أمـا علـى المسـتوى المـالي والنقـدي حـدث تغيـر في التركيـب الهيكلـي للإيـرادات العامـة للدولـة حيــث زادت الإيــرادات الضريبيــة غـيـر النفطيــة وتحســنت فوائــض شــركات القطــاع العــام علــى حســاب الإيــرادات النفطيـة، إلا أن هـذه الإيـرادات الضريبيـة كانـت متواضعـة ولا تتناسـب مـع مسـتوى النشـاط الاقتصـادي وخصوصـاً مــن القطــاع الخــاص، وتراجــع الديــن العــام، وازداد الدعــم ازدياداً كبيــراً، وأصبــح عبئاً كبيــراً علــى الموازنــة العامــة. وتحقـق الاسـتقرار في سـعر الصـرف، ومعـدلات التضخـم عنـد نسـب مقبولـة. وثبـات في معـدلات الفائدة الاسميـة، كمـا توجهـت معظـم التسـليفات المصرفيـة الموجهـة للقطـاع الخـاص إلى قطـاع التجـارة والعقـارات.. و أمـا علـى مسـتوى التجــارة الخارجيــة شــهدت عــدم اســتقرار الحســاب الجــاري نتيجــة زيادة قيــم المســتوردات، وتركــزت الصــادرات في عـدد محـدود مـن السـلع والأسـواق وبقيـم مضافـة ضعيفـة.
أمـا فيمـا يخـص التشـغيل وسـوق العمـل، فبقيـت معـدلات البطالــة مرتفعــة، وكان المشــغل الأكــبر للعمالــة قطــاع الخدمــات، وكانــت النســبة الكــبرى مــن المشــتغلين ممــن حصلــوا علـى الشـهادة الابتدائيـة مقابـل تحسـن طفيـف علـى نسـبة حملـة الشـهادات الجامعيـة نتيجـة دخـول أنشـطة اقتصاديـة كالمصــارف والتأمين والاتصــالات.
ولكــن نتيجــة الحــرب تعــرض الاقتصــاد الوطني لانتكاســات كبــرى تمثلــت في تدهــور مؤشــرات الاقتصــاد الكلــي وخصوصـاً الناتـج المحلـي الإجمـالي حيـث انخفـض معـدل النمـو انخفاضـاً حـاداً، وازدادت نسـبة مسـاهمة القطـاع العـام في الناتــج مقابــل انخفــاض بســيط في نســبة مســاهمة القطــاع الخــاص، مــع حــدوث تغـيـرات جوهريــة علــى التركيــب الهيكلـي للناتـج حيـث تراجعـت مسـاهمة قطاعـات الزراعـة والصناعـة والتجـارة والسـياحة لصـالح الخدمـات الحكوميـة وقطـاع النقـل والمواصلات والتخزيـن، وتراجـع الاسـتثمار العـام والخـاص تراجعـاً كبيـراً، وكذلك خـروج الاسـتثمارات الأجنبيـة علـى نحـو شـبه تام كما تراجعـت المؤشـرات المتعلقـة بالإنتاجيـة.
أمـا علـى المسـتوى المـالي والنقـدي، شـهدت الموازنـة العامـة للدولـة عجـزاً كبـيراً نتيجـة انخفـاض الإيـرادات وانخفـاض فوائض شـركات القطـاع العـام الاقتصـادي، مقابــل زيادة النفقــات الجاريــة (زيادة فاتــورة الدعــم والرواتــب)، مقابــل تراجــع الإنفــاق الاســتثماري مــع توجهــه بالدرجـة الأولى نحـو الخدمـات الحكوميـة والكهـرباء والمـاء، وازدادت المديونيـة العامـة وخصوصـاً على الصعيد الداخلـي (الاسـتدانة مــن المصــرف المركــزي)، وهــو مــا أدى إلى نمــو العــرض النقــدي علــى نحــو لا يتناســب مــع نمــو الناتــج (أو الراجــع).