الثورة -أديب مخزوم:
خلال مروري على المعرض المقام في المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق، لفتت نظري لوحتان بقياس كبير ( واحدة منهما ثلاثية ) للفنانة الشابة آيات الزعبي، (منجزتان بالكولاج ـ إعتماد كلي على ألوان ورق مجلات وصحف بدون أستخدام ألوان تقليدية جاهزة ) وسبق وتابعنا معرضها بغاليري مصطفى علي، القائم على هذه التقنية التي تجيد التعامل معها بحساسية بصرية وروحية عالية، رغم حداثة تجربتها في هذا المجال . ولقد أنجزت لوحات معرضها الفردي السابق، بعد جولاتها المتواصلة بين أحياء المدينة القديمة حيث ظهرت تنويعات الأشكال المعمارية كمساحات لونية ( تستفيد من لون القصاصات الملصقة بطريقة فنية لافتة، بدون أستخدام لأي ألوان بطرق تقليدية) وبدون التقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل وواقعيته التسجيلية ، مع قدرتها على إبراز ملامح المناخ المعماري الدمشقي، والاحتفاظ بروح التراث المحلي، رغم ذلك الكسر الذي يبعد المشهد عن المرجع الواقعي التسجيلي .
في ثلاثيتها ولوحتها الكبيرة بمركز الفنون البصرية تؤكد آيات الزعبي من جديد قدرتها التامة على التشكيل بقصاصات ورق المجلات والجرائد الملونة ، متجهة بشكل تدريجي نحو الاختصار والاختزال والتبسيط، إلى درجة الإيحاء بالتجريد داخل مساحة المشهد الطبيعي ، والشكل الإنساني الذي يتوسط الثلاثية . وللوهلة الأولى يعتقد الناظر أن اللوحة مرسومة بألوان طبيعية، لكنه حين يمعن النظر عن قريب يكتشف أنها قصاصات ورقية ملونة متجاورة ومتداخلة بطريقة الكولاج .
وآيات الزعبي باستخدامها لهذه الطريقة تقدم حلولا مناسبة وبدائل تقنية بعد إرتفاع أسعار الألوان المستوردة بشكل جنوني، وهي تلتقي مع فنون إعادة التدوير، لأنها تمتلك القدرة على الاستفادة من المجلات والصحف القديمة، وتحولها إلى أعمال فنية تثير عناصر الدهشة والإقناع .
وتجربتها تكتسب أهميتها من ندرة العاملين في هذه التقنية، قياساً إلى أعداد العاملين بالألوان المستوردة ، ولقد وصلت إلى تأثيرات بصرية لايمكن الوصول إليها بطريقة أخرى . وهي قادرة على تطويرها وتوظيف خبرتها والوصول إلى لوحات متزايدة الجمالية والحساسية .
كما أبرزت قدرتها على تطويع مختلف المواضيع والعناصر لهذه التقنية الورقية والوصول إلى لوحات جدارية وبقياسات مختلفة .
آيات الزعبي من مواليد دمشق 1998 ، ومن الفنانات القادمات من محترفات كلية الجميلة (قسم الرسم والتصوير) جامعة دمشق 2020ـ 2021 ، ولقد أقامت معرضاً في صالة مصطفى علي تركز على موضوع دمشق القديمة بتقنية الكولاج الورقي والقماشي والرسم، وشاركت في العديد من المعارض الفنية والورشات والملتقيات ، وهي حائزة على جائزة المرتبة الثانية في مسابقة البورتريه لإعادة التدوير .