منذ أيام كنا في احد بيوت واجهة طرطوس الشرقية المطلة على الكورنيش البحري نعزي بوفاة والد زميلة لنا في مكتب سانا، وخلال مكوثنا في مكان التعزية عادت بي الذاكرة لعشرات التحقيقات الميدانية والتقارير التلفزيونية والزوايا الصحفية، التي سبق وكتبتها على مدى ثلاثين عاماً مضت ، عن كارثة تجميد هذه الواجهة، وعن ضرورة معالجتها دون جدوى، حيث إنها مازالت على وضعها منذ تجميد اي توسع او زيادة او بناء فيها عام ١٩٧٦ بحجة وضع مخطط حضاري لها يليق بمدينة بحرية سياحية
وقد ترافقت هذه العودة للذاكرة مع صور اليمة جداً لاشخاص انتظروا وانتظروا وانتظروا (بمن فيهم المرحوم الذي نعزي به) الجهات المحلية والمركزية، لحل هذه الكارثة التي فرضت عليهم ، لكنهم تقدموا بالعمر وفارقوا الحياة اما في بيوتهم المهترئة الواقعة على الواجهة، واما في مساكن استأجروها بعيداً عنها قبل ان يشهدوا الحل المطلوب، وقبل ان يتاح لهم ولابنائهم الاستفادة من الحل بالبناء على عقاراتهم او ببيعها لتجار او شركات بناء او مستثمرين قادرين على بناء ابراج مميزة.
وهنا اسمحوا لي أن اقول مجدداً ان من يعرف الواجهات البحرية السكنية والسياحية على شواطئ البحر المتوسط إن لم نقل بحار ومحيطات العالم , ويعرف واجهة مدينة طرطوس البحرية (وتحديداً الواجهة الواقعة بين مطاعم مشوار شمالاً ونهر الغمقة جنوبا) يقول بلا تردد إن واجهة طرطوس هي الأسوأ على الإطلاق بين كل واجهات المدن المطلة على بحار العالم!
لقد مضى على تجميد البناء ومنع القيام بأي تعديلات في الأبنية المشادة على هذه الواجهة نحو الأربعين عاماً على أمل وضع مخطط تنظيمي جديد وعصري لتلك المنطقة , وبعد الإنتظار الطويل من قبل المواطنين وأبنائهم الذين كانوا أطفالاً وباتوا رجالاً صدر أول مخطط تنظيمي جديد لتلك المنطقة عام 2006 لكنه كان مستحيل التطبيق بسبب ضخامة مساحة كل عقار يسمح بالبناء عليه ومن ثم حاجة عشرات المالكين للاتفاق فيما بينهم على دمج عقاراتهم قبل أي بناء ونتيجة اعتراضات السكان أعيد النظر بالمخطط بعد ذلك حيث تم تخفيض المساحات بعض الشيء لكن دون أن يلقى الأمر الموافقات اللازمة وبالتالي استمر الواقع على ما هو عليه فلا أبراج وأبنية جديدة ولا ترميمات ولا أي شيء حتى الآن ما أوصل الواجهة لوضع يرثى له.
والسؤال: هل سنشهد حلاً نهائياً لهذه الواجهة قبل نهاية هذا العام كما قيل لنا بعد ان تم اجراء التعديلات المطلوبة على المخطط وأقرها مجلس المدينة ورفعها الى اللجنة الإقليمية؟