ربا قرقوط في معرضها.. لوحات إحساس النحت المعتق

أديب مخزوم:
( في السكون حركة، في الظلمة نور ، في الصمت تفجير، في السطح المستوي كثافة لونية .. ) عبارات تشكيلية نستشفها من لوحات وعنوان معرض الفنانة ربا قرقوط في غاليري زوايا ( قصاع ـ برج الروس ) الذي تضمن أكثر من أربعين لوحة ( قياسات مختلفة ـ ومواد مختلطة ـ ميكست ميديا ) .
ولقد شكلت إطلالتها، خلال افتتاح معرضها عودة إلى صورة ملكات الزمن الغابر، من خلال الزي الذي أعدته للمناسبة، ومن خلال تاج أو أكليل الرأس ، وذلك لتمتين علاقتها بماضينا الحضاري ، الذي توج المرأة ملكة، ووضعها في المكانة التي تستحقها .
تتركز لوحات المعرض حول الوجوه بحالاتها التعبيرية المختلفة والمتنوعة والمرتبطة بالواقع المأساوي ، وبثقافة فنون العصر وبالإيقونات الحديثة .. لوحات مثيرة للحوار والسجال والجدل الثقافي المفيد، على الصعيدين التشكيلي والتقني ، لأن ربا تخرج في إنجازها لأعمالها عن إطار قولبة اللوحة، وتترك اللون يتبع حركة الإنفعالات والأحاسيس على حد تعبير ” بابلو بيكاسو ” .
فاللوحة بالنسبة لها هي مشروع ثقافي قبل أي شيء آخر، ولهذا نراها تغامر مع اللون والخط والتقنيات المستخدمة ، لدرجة أنها تستخدم ألوان خطرة في معالجة الوجوه ، وفي مقدمتها اللون الذهبي، وهي تعالج النحت بالرسم، أي أنها ترسم كما لو أنها تنحت، بدليل أنها أنجزت منحوتة لوجه ، وطلته بنفس الألوان المستخدمة في لوحاتها, ولاسيما اللون الذهبي، في خطواتها الرامية لتقريب اللوحة من المنحوتة ، حتى أنها تمنح اللوحة خشونة ملمسية وسماكات وسطوح تضاريسية ، وهذا أيضاً يخرج اللوحة من أفقية الامتداد التصويري التقليدي والاستهلاكي والتجاري، ويدخلها في إطار البحث و الاختيار التقني البحت المرتبط بتقنيات وثقافة فنون العصر، ويعمل على تحريك سطح اللوحة المتفاوت السماكات، جامعة بذلك بين السكون والحركة ، وبين الصمت والتفجير .

لوحات إشكالية، لأنها لاتعمل على مكيجة وجه المرأة، إنما تبحث في لوحاتها عن ماكياج المرأة الثقافي ، وجوه منكسرة وحزينة وغارقة في الصمت الأزلي ( صمت الإيقونات القديمة والحديثة ) .. إنه الصمت الذي يطرح تساؤلات لاتنتهي ولاتهدأ ، ويحرك المياه الراكدة في مستنقع حياتنا الرتيبة والمتشابهة والسائرة على وتيرة واحدة .
بهذا المعنى لوحاتها تتوجه لجمهور النخبة، لأن الجمهور العام غير مهيأ ثقافياً لتلقي أي تحريف أو تحوير أو خروج عن إطار الفن الإستهلاكي، حيث تبرز قيمة التشكيلات هنا في الحساسية المتمادية في التشكيل الحديث، إلى درجة تجاوز تسريحة الوجه ، والتعبير عنها بمساحات لونية تجريدية قريبة من مشاعرها وأحاسيسها وانفعالاتها الداخلية.
بهذا المعنى تبتعد لوحة ربا عن المباشرة الخطابية، في تقديم الوجه أو البورتريه، القائم على ألوان غير مألوفة وغير مستهلكة وغير محتقنة من الداخل، والتي تعطي لوحاتها المرسومة احساس النحت المعتق . كما تبرز مظاهر التنويع التقني، الرسم والتلوين بمختلف الوسائل ( سكين الرسم الحادة، المشحف ، الريشة وغيرها ) للوصول إلى التأثيرات البصرية المطلوبة ، وبالتالي النفاذ إلى أبجدية تشكيلية ناتجة عن اختبارات تقنية خاصة، تبحث عن إيقاعات تعبيرية ورمزية في آن واحد. وهي في كل ذلك تتجاوز الدقة التصويرية، بقدر ما تذهب لإضفاء أجواء عفوية وسطوح متباينة الكثافة، تتحقق بلمسات مبنية عل حساسية عاطفية، تتجاوز السياق البصري الساكن المقروء في السطوح الهندسية المستوية .
وهي تعمل لإيجاد مقاربات لونية في إطار ألوان محددة ،  مع المحافظة على إبراز الهمّ الرمزي ( حيث تدخلنا في صياغة درامية مرتبطة بالواقع المأساوي عبر ملامح الوجوه وتعابير العيون ) بغية تفسير موقفها وهاجسها الجمالي القادم من معطيات التاريخ الحضاري، والمستمر نحو الحاضر، ولا سيما في هاجسها الأيقوني المقروء إغمضاضة العيون، وفي اللون الذهبي ( الذي تكرس على مر عصور وأزمنة كلون مقدس يشغل هالة النور ، التي تحيط بوجه العذراء والقديسين .
فالتشكيل الأيقوني الحديث، هو نقطة الارتكاز الأساسية في أعمالها، والوجوه التي أمامنا هي ( وجوه مريمية ) غنية بالرموز والإشارات والدلالات واللمسات العفوية الصادقة ، المتداخلة والمتجاورة، مع محافظتها على الملامح المقروءة في الوجوه والطيور وغيرها .
ومن الناحية التقنية ، تتحرر من ثوابت ومرتكزات النزعة التصويرية الواقعية والكلاسيكية، وتتعامل مع الألوان من خلال إبراز سماكاتها وتضاريسها وخشونتها ( المرتبطة هي الأخرى بخشونة الواقع ) وهنا تتجلى حركة الإشارات والرموز والدلالات، في عودتها الدائمة إلى منابع الحضارات القديمة، في خطوات  صوغ الرؤى التشكيلية المحدثة والجديدة .
فالبحث عن مناخات بصرية لتكاوين الوجوه والطيور والعناصر الأخرى، شكل في لوحاتها هواجس لاختبار الإيقاعات التشكيلية المتداولة في الفن الحديث، والقائمة على إلغاء الثرثرة التفصيلية ، وإعطاء أهمية قصوى للإيقاع اللوني

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يستقبل وفداً كورياً.. دمشق و سيؤل توقعان اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية الدفاع التركية تعلن القضاء على 18 مقاتلاً شمالي العراق وسوريا مخلفات النظام البائد تحصد المزيد من الأرواح متضررون من الألغام لـ"الثورة": تتواجد في مناطق كثيرة وال... تحمي حقوق المستثمرين وتخلق بيئة استثماريّة جاذبة.. دور الحوكمة في تحوّلنا إلى اقتصاد السّوق التّنافس... Arab News: تركيا تقلّص وجودها في شمالي سوريا Al Jazeera: لماذا تهاجم إسرائيل سوريا؟ الأمم المتحدة تدعو للتضامن العالمي مع سوريا..واشنطن تقر بمعاناة السوريين... ماذا عن عقوباتها الظالمة... دراسة متكاملة لإعادة جبل قاسيون متنفساً لدمشق " الخوذ البيضاء" لـ "الثورة: نعمل على الحد من مخاطر الألغام ما بين إجراءات انتقامية ودعوات للتفاوض.. العالم يرد على سياسات ترامب التجارية "دمج الوزارات تحت مظلّة الطاقة".. خطوة نحو تكامل مؤسسي وتحسين جودة الخدمات بينها سوريا.. الإدارة الأميركية تستأنف أنشطة "الأغذية العالمي" لعدة دول The NewArab: إسرائيل تحرم مئات الأطفال من التعليم الشعير المستنبت خلال 9 أيام.. مشروع زراعي واعد يطلقه المهندس البكر في ريف إدلب برونزية لأليسار محمد في ألعاب القوى استجابة لمزارعي طرطوس.. خطّة سقاية صيفيّة إيكونوميست: إسرائيل تسعى لإضعاف وتقسيم سوريا المجاعة تتفاقم في غزة.. والأمم المتحدة ترفض آلية الاحتلال لتقديم المساعدات أردوغان يجدد دعم بلاده لسوريا بهدف إرساء الاستقرار فيها خطوة "الخارجية" بداية لمرحلة تعافي الدبلوماسية السورية