ضمن حلقة المعارض الفنية المتواصىلة، نتابع معارض تشكيلية لأسماء شابة، ترتكز على ثقافة ومثابرة واطلاع، وتتجاوز إطار الرسم الواقعي، والموديلات الموجودة في المحترف الأكاديمي، رغم أنها تتعامل بصياغة واقعية في مراحل سابقة، ملتزمة بالنسب والمعاييرالصحيحة.
إنها لوحات لإثارة الأسئلة، لأنها تبعدنا مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، وتدخلنا في جوهر الحالة الرمزية للون، لإبراز دلالاته الروحية، وبقايا معطيات الصور الممحية، والمتداخلة بين الإشارات والرموز التجريدية على جدران الأزمنة المنسية.
فالصراع العلني بين أنصار الواقعية وأنصار التجريد الذي عاشه جيل الرواد لايزال يتواصل في عطاءات الأسماء الجديدة، ومن هذا المنطلق ترتبط لوحات العديد من الفنانين بإيقاعات تشكيلية قديمة وحديثة في آن، حين تذهب إلى مثل هذا التبسيط والتجريد والحرية.
وعلى الصعيد التقني لا نستطيع أن نحصر أعمال العديد من الفنانين، بتوجه تقني محدد، ذلك لأنهم رغم ما للتلوين العفوي، من تأثير في لوحاتهم فهم في النهاية يقدمون أنفسهم ضمن دائرة تجعلها غير محددة بتعبير واحد وغير مختصرة بسمة مدرسية ضيقة (على الصعيدين التشكيلي والتقني).
من هنا كان الجمع في بعض التجارب، بين الواقعية والتعبيرية الرمزية وبين التجريد اللاشكلي، بين تبسيط الأشكال الواقعية، وبين ذلك التركيب الفطري المكثف الذي يقرب اللوحة من صيغة التشكيل التجريدي، المفتوح على الماضي الموغل في القدم، والممتد إلى الحاضر وثقافة فنون العصر.
هكذا تضعنا تجارب العديد من الفنانين، أمام تنوع بارز في أسلوب المعالجة للأشكال والألوان والإضاءة والانفعال الداخلي، الذي يحرك المساحة، وهذا ما نلاحظه من خلال تبديل مستوى وضوح ظل أو خيال أو روح الشكل أحياناً، بين لوحة وأخرى، فتتدرج اللوحات من التشكيل التجريدي البحت للمساحات الواسعة، إلى التجريد الذي تستخدمه أحياناً خارج إطار تحديد اللوحة بشكل أو بمعطى له دلالة مرتبطة بالواقع.
وإذا كانت بعض التجارب الفنية قد عاشت فصول الصراع العلني بين الواقعية والتجريد، فإن هناك تجارب عملت لإيجاد حالة من التوافق والجمع بين الخلفيات التجريدية والصياغات الواقعية في اللوحة الواحدة، وأفضل مثال هنا الفنان الكبير الراحل عمر حمدي ـ مالفا، الذي جمع في العديد من لوحاته القديمة والأحدث بين الواقعية والتجريد اللوني.
التالي