الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
هل الفساد الثقافي موجود في مؤسساتنا الثقافية، وكيف يمكن مواجهته، والعمل على التخلص منه بطرق عقلانية مدروسة؛ بينما تشهد الحياة الراهنة مرحلة انعطاف في دور المثقّفين والثقافة.
فاتحة الحديث لابدَّ من تعريف الفساد ويعني في اللغة نقيض الصّلاح، وخروج الشّيء عن الاعتدال، قليلاً أو كثيراً، ويقال فسدت الأمور أي اضطربت، وفسد العقد أصبح باطلاً.
طرق «الملحق الثقافي» باب كتّاب وأدباء كي تنثر أقلامهم ما يدور في خلدهم وتحطُّ رحالها على الورق وتفندها.
نتاج مجتمع
الدكتور وليد العرفي أشار أنَّ الفساد وباء لا يقتصر انتشار فيروسه في مجتمع ما على فئة محددة، والمثقف في النهاية نتاج مجتمع وبيئة وكلما كانت تربته غير صالحة أسهمت في خلق جو ثقافي فاسد بالضرورة.. وتتجلى ملامحه بشكل باهت أحياناً وفاقع في أحايين أخرى، ويكون محكوماً بظروف أنتجت ولا تختلف في كثير من إشكالاتها عن بقية مظاهر الفساد المستشري في مجتمعاتنا يوماً بعد يوم وبشكل أكثر وقاحة وقباحة.
وطالما أنَّ المؤسسات الثقافية محكومة بنمط محدد مسبق فلا يمكن لها أن تتجاوز ذاتها بهدف خلق جو ثقافي نقي بحكم الهوى والميل وكلاهما من طبيعة النفس البشرية لايمكن لها أن تتصف بالموضوعية والحيادية إلا عند القلة القليلة، وغالباً ماتهمش في واقع العمل الثقافي بينما يكبر الطفيلي والمتعربش على حساب الآخرين؛ والتخلص منه يكون في معالجة أسبابه بإعطاء المبدع الحقيقي دوراً يمكنه من تحقيق ذاته ببلوغ مكانة يستحقها من الشهرة والانتشار في الوسائل المعنية بالثقافة.
ظاهرة عالمية
ورأى رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب منذر يحيى عيسى أنَّ الفساد ظاهرة عالمية استطالت حتى لامست جميع جوانب الحياة، ولم تسلم منها الحياة الثقافية.. ويبدو أنَّ مظاهره تبدو بالشللية ما تنعكس على الثقافة بحيث يتمُّ التركيز على ما ينجزه أفراد الشلّة ويؤدي للهجوم على إبداعات الآخرين وتهميشها.
كما أنَّ انتشار المنتديات والملتقيات أدَّى إلى تعويم كتابات لاتمتُّ للأدب بصلة وإبراز أسماء طارئة عليه، إضافة إلى محاولة ترويج أفكار لامنتمية إلى وطننا عند الجيل الشاب، وبالتالي لابدَّ من وضع ضوابط للسماح بنشاطات المنتديات والإشارة إلى الإساءة للغة الفصحى.
كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورها وكانت من الأدوات المساهمة في الفساد الثقافي لاستسهال النشر، وسرعة الانتشار. فوزعت شهادات دكتوراة لاقيمة علمية أو فكرية لها؛ تعتبر من مظاهر الفساد الثقافي.
بينما تبقى وزارة الثقافة والجهات التابعة لها المسؤولة مباشرة عن محاربة مظاهر الفساد.. ويقف اتحاد الكتاب العرب كمؤسسة ثقافية حصناً منيعاً في تبنيه للإبداع الحقيقي ونشره، والمنابر تصرُّ على أهمّية اللغة العربية في كل ما ينشر ويلقى، من خلال المعرفة بآلية العمل في الاتحاد.. إضافة إلى تبني المواهب الشابة ورعايتها، وخضوع منشورات الاتحاد إلى مراحل عديدة حتى يتمّ النشر.. إجمالاً الفساد الثقافي ظاهرة قائمة ومحاربتها مسؤولية الجهات المختصة الرسمية.
وأصبحت السرقات الأدبية والفكرية ظاهرة حقيقية في الوسط الثقافي ويعتبر سطواً موصوفاً على إبداع الآخرين وحقوقهم، كما سهَّل الفضاء الأزرق سرعة اكتشاف السرقات وتوصيفها.. وكثيراً مانجد الحالة ذاتها عند من يتقنون لغة أجنبية بحيث يترجمون نصوصاً عن لغة أخرى مع بعض التحوير وينسبونها لأنفسهم، وفي السياق ذاته أشير إلى اختلافه عن ظاهرة التناص من القرآن والسنة، أو من الأسطورة؛ وأمر نفسه مشروع ومعترف به.
إضافة إلى تمرير بعض الأفكار المغرضة الهدامة وتهدف إلى تدمير المجتمع، وتخريب بنية الأسرة وقيمها، تحت مسمى الليبرالية الجديدة وتؤدي إلى نشر الانحلال الأخلاقي، ما يسهل تفكيك المجتمعات وتسهيل السيطرة عليها.. كما أشير إلى حرب المصطلحات وتفعل فعلها التخريبي في الثقافة والسياسة؛ والغاية تفكيك الدول والمجتمعات.. والفساد الثقافي والفكري ساهم في الوصول إلى تحقيق مخططات عالمية كان للصهيونية العالمية الدور الفاعل فيها، إضافة إلى العمل على تقديم الأفكار والقيم النبيلة للأجيال الشابة كونها تُشكِّل الوسيلة المناسبة لمقاومة الفساد الثقافي.
التشاركية والكشف عن الخلل
ثم بين الشاعر حسام المقداد أنَّ المؤسسة الثقافية شأنها شأن دوائر المجتمع الأخرى سواء أكانت حكومية أم غير حكومية تعاني من الفساد ليظهر عجز الفعل الثقافي عن أداء الدور المتوقع منه في كشف المستور وصنع الفارق للوصول إلى مرحلة من النقاء.. ويظهر الفساد الثقافي في الشللية والمحسوبية سواء في النشر أو في مهرجانات كبرى يدعى لها أحياناً من لايحسنون صنع الدهشة والتأثير، وعجز المراكز الثقافية عن تقديم الجيد وخلطها بين المبدع والمدعي عند التقديم على المنابر، وإطلاق المبدعين للحراك الثقافي، وانكفاء البعض منهم ما يسمح بظهور مدعي الثقافة، واتساع المجال لهم، وعدم احترام المؤسسة الرسمية للإبداع.
والمبدع ورعايته وتسليط الضوء عليه، وتقديم بعض البرامج المسموعة أو المرئية لفئة لاتمت للأدب والثقافة بصلة.. وغياب الصحافة الورقية حيث كانت مصدراً من مصادر المعرفة وشروط النشر أو العضوية في المؤسسات الرسمية وتشترط موافقة قارئين أو ثلاثة ممن لايمتلكون المعرفة أحياناً أو من يقيسون العمل وينظرون للمثقف تبعاً لذاتيتهم أو لأحقاد شخصية دفينة تبدو انعكاساً لقصور فكرهم أو رغبة في التغييب لتغدو الساحة فارغة لهم ولأمثالهم.
وإن الخلاص من الفساد يكون في مؤتمرات تسمح بالرأي، وكشف الخلل، والتشاركية بين القطاعات المختلفة، وتطبيق معايير الجودة في المنشور والمسموع والمرئي، وبحث المؤسسة الرسمية عن الأجدر واستبعاد المدعين، بهدف كشف المفسدين والإشادة بالأكثر صدقاً.
وقبل كل ما ذكرناه لابدَّ من السعي الدائم لاستقطاب الخبرات الكفوءة وتشجيعها مع الإشارة الجدية للخلل فالأضرار الناتجة عن الفساد الثقافي أكبر وأخطر وأعظم بكثير من أنواع الفساد الأخرى؛ لأنه نوع خفيٌّ لايمكن اكتشافه بسهولة، إذ إنَّ تأثيره مستقبلي وبطيء، ولأنَّه يتصل بعقول تبني الوطن وتسهم في ارتقائه العلمي والحضاري.
بؤرة للبطالة
القاص سامر منصور لفت بأنَّ المؤسسات الثقافية أصبحت تشكل بؤرة للبطالة المقنعة في دول العالم الثالث وبلدنا ليست باستثناء، حيث لا تتمتع المؤسسات بفعالية حقيقية وبالتالي يوجد أعداد كبيرة من الأيدي العاملة بالكاد يعملون شيئاً ونقلوا من وزاراتهم إلى وزارة الثقافة خصيصاً كي يخلدو للراحة ويتخلصوا من أعباء الالتزام بالعمل الوظيفي والحضور اليومي!!
إنَّ مجرد تركيز أيّ وزارة ثقافة عربية على الأنشطة الترفيهية والإنفاق بزخم عليها عوضاً عن مراعاة التوازن بينها وبين الأنشطة المحتضنة وترعى وتنمي الفنون الرسولية، يعدُْ برأيه فساداً نابعاً عن الانحياز إلى الطبقة المخملية المرتادة لدور الأوبرا وقصور الثقافة لتتابع الأنشطة الترفيهية الموسيقية والغنائية على وجه الخصوص.
إنَّ الفساد الثقافي يتجلى منذ دخول أيّ مواطن عربي إلى مواقع وزارات الثقافة حيث لاتحتوي على بيانات أو خلاصات لمؤتمرات فكرية أو علمية تجسد الصيرورة المعرفية أو الإبداعية لدى مجتمعه.. إنَّ الفساد بلغ مبلغاً لا تتمّ مراقبة بعض الأشخاص وإصدار كتب تتنافى تماماً مع دور وزارة الثقافة، كترويج الإباحة أو الإساءة إلى الشعوب وبث الفتنة واعتبرها شكلاً من أشكال الفساد ولايمكن مكافحته ما لم يتم إنهاء سطوة المتنفذين عموماً في البلاد وفي كل المجالات، والحل يكون التعاطي بموضوعية مع المنتج الثقافي.
العدد 1154 – 8-8-2023