الملحق الثقافي- رجاء شعبان:
إن كان الفساد انحرافاً أو تدميراً النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة أو التلف إذا ارتبط بسلعة، فهو بذرة تآكلت في مهدها ونمت على اهتراء ومسخ وحالة سلبية مفسدة لما حولها كما هي فاسدة.
لكلّ نقيضه في الحياة، مبدأ يدفع بوتيرة الحياة ذاتها ولو كان إلى التلف أو الموت، فإن كان الموت نقيض الحياة فهو دافعها كذلك لملء فراغها وتعويض موتها، هذا في الحالة الطبيعية للحياة… إذ لا يوجد سلبية بالمطلق، لكن الفساد هو الحالة غير الطبيعية للحياة التي يصيبها خلل أو أذى فتؤدي إلى نتيجة فيها خسران وأذى من بعد الفوضى تؤدي بدورها إلى العفن فالتلف وعلى الاغلب فالعدم.
لن نتوسّع وندخل في سجالات فلسفية ليس معروفاً أولها من آخرها.. ولكن هنا سنتطرّق إلى ثمرة أخرى من ثمرات التواجد أو الوجود الإنساني ألا وهو الفساد الثقافي، فالفساد الثقافي بالمفهوم العام عرف على أنه أحد أنواع الفساد يصيب الثوابت العامة لدى المجتمع فيتغلغل إلى الهوية والموروثات تحت مدّعى حرية الرأي أو حجة الإبداع وذلك عبر وسائل من ضمنها مناهج التعليم.
وهنا نقول لو فسدت سلعة يمكن التعويض عنها أما لو فسد إنسان فلا يمكن تعويضه؛ كما أن الفساد بحد ذاته يحوّل الإنسان هذا المخلوق العظيم إلى أداة وسلعة ويضع له قيماً جديدة تؤدي إلى نهايته تحت عنوان أو بند تطوّره وسعادته!
فما الفساد بحق؟ هو تحويل الإنسان العاقل إلى فاسق يضع من عنده قوانين خاصة به تخدم أنانيّته وانتهازيّته دون اعتبار الآخر متناسياً القوانين الإلهية أو الشرعية أو الأخلاقية العامة، كيف لا وقد زيّنت له نفسه وسوّلت له نفس المجتمع أنها طبيعيّة ومباحة ومتاحة لصالحه وصالح مجتمعه! طبعاً الفساد لن يأتي فاجراً داعراً فجّاً مباشراً كالصاعقة، ربّما يتحوّل فيما بعد إلى ذلك ولكنّه في البداية سيأتي متسلّلاً ناعماً داعماً ذا لحية بيضاء متسامحة تريد الخير للجميع..! لكن ما إن يتمكّن ويغدو له مريدون وطلاب وعشّاق وأتباع وجماعات وصفوف وأسلحة وجيوش حتى يعلن عن حاله أنّه غدا القائد العام شاء مَن شاء وأبى مَن أبى، وهنا يخطر ببالنا سؤال… هل هو عفويّاً؟ هل له تسلسل منطقي زمني طبيعي أم فكر عابر محتل غاشم منتهك عقول وأقوام عن سابق إصرار وترصّد؟ قد يأتي بهيئة الاثنين معاً وهنا يقع فريسته الإنسان الطيّب ويقطف ثماره الخبيث، وهل للفساد رقيب أو حسيب؟ لا أبداً طالما تمّ بيع الضمير أو التخلّي عنه أو إسكاته أو تخديره وتنويمه وتمويته! لماذا؟ أملاً بحياة ماديّة أفضل! لكنّه هو معنوي! بل وانعكساته ماديّة عدا عن جوهره المعنوي!
إذاً هو فكرة تُطبّق عن سابق إصرار من جهة بغية التخريب، فهو أحد أنواع الحروب ضد الإنسان السويّ الإنسان الفطري الأخلاقي الإلهي المبدع! من وراءه؟ وراء سلطان الطمع والتمرّد والتخريب والاستغلال.. نتيجته وباء للجميع.
فالفساد كالهواء متى ما انتشر ضرب وأحاط بالجوانب كلّها فإن كان في المجتمع ضرب الأخلاق والقيم والقيادة والإدارة والقضاء والمال والعائلة والمؤسسات وو… فأرهق المجتمع وهركله وتركه جثة تنخر فيه الحشرات ومكان لتجميع القمامة والنفور…» هكذا تُهجَّر الأوطان»
الفساد يؤدي بالحياة إلى القبر فتغدو المجالس كلّها عزاء والأحداث جرائم والأيام حساب وعقاب ومعنى الوجود عبثي قاتم… الفساد هو الثقافة السوداء للإنسان يتغلغل به تغلغل الداء ويجري به إلى الفناء… فلا إله ولا وجود ولا أخلاق ولا هدف ولا جدوى… يغدو الدين الإلحاد والقيم منحرفة تودي إلى العقم وانعدام الطعم واللون والذوق… يبدأ الفساد بالأخلاق: «إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا»
ويمتدّ إلى الأفكار والقناعات… ينفخ في العقول القيم والمعارف المزيّفة، ينعكس على التعليم من خلال التربية… فإن لم يكن مصدراً صحيحاً غدت التربية وسيلة وسلوكاً وقيماً لا تنتج إلا الأسوأ وصولاً إلى الشلل والعجز مقدّمة أجيالها الموبوءة فكراً وعقلاً وسلوكاً وطارحة نظريّاتها بأن الله غير موجود ونحن فوضى كونيّة عبثية لنا أن نتصرّف مانريد دون رادع، « مثال هنا تشكيل المجتمعات المدنية وحرية الزواج ولو من حيوان وتشريع المثلية الجنسية والدفاع عنها والاحتفال بأعياد غير معروف مصدرها كالهالولين.. ووو، وتشجيع اندثار العادات والتقاليد الجميلة التي تدعو إلى الألفة والتكاتف العائلي واحترام الكبير ومراعاة العجزة والعطف على الصغير والاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والدينية وسلخ الجيل عن تاريخه وحضارته وتقديم تاريخ مزيف وحضارة وإعلام ودراما وكتب كما يشتهون هم…. غدت الآن خطراً تبيد المجتمعات… كحيوانات داشرة من نوع ليس لها فصائل أو تنظيم… كائنات تقرض نفسها للانقراض. متناسين: « قل مَن يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون» آية 245 «سورة البقرة»
ففي مكان لا وجود فيه لإله توقّع أن تسكنه الأشباح والظلال ويختفي فيه الإنسان… «ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح مَن زكّاها وقد خاب مَن دسّاها» آية 9 من سورة الشمس
إذاً فالخيار معنا وهذه الآية القرآنية تختصر فكرة الوجود والعدم، الخير والإصلاح وإذكاء روح الصلاح أو الإفساد… فلنعقل أمرنا ولنمسك كتابنا بيميننا ولنعرف ماذا نقرأ ومن نجالس ولنتمسّك بالقيم الأخلاقية السليمة ولنسهر على صحة ضميرنا وعدم السماح لتمدد القسوة إلى قلوبنا لأنه متى مات القلب حلل الإنسان المحرّم وكره وغدا مخلوقاً كارهاً حاسداً كإبليس حين عصى ربّه فأحبّ أن ينزع ذريّة آدم ويفسد بذرته كي لا تنبت حياة صحيحة ولا ذرية سليمة لآدم فلا تُعمّر الأرض بقاطنيها… وفي النهاية كما قال الإمام علي : قد أضاء الصبح لذي عينَين»
فليس صعب أبداَ النظر والتبصّر واليقظة والاجتهاد والعمل وعدم اليأس واتباع ما يوصل للخير
وكما قال الشاعر: تواضعّ تكن كالنجم لاح لناظرٍ… على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكُ كالدخان يرفع نفسه… إلى طبقات الجو وهو وضيع
العدد 1154 – 8-8-2023