الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
كثيرة ٌ هي الأسئلة التي يطرحها من يسافر على الورق ، بشكل يومي أو متقطع .. او تُطرح عليه من قبل الآخرين.. ولا يجد الكاتب او الشاعر او القاص او الصحفي مناصاً من الإجابة مهما كان حاذقاً او دبلوماسياً ، ولعل اكثر هذه الاسئلة إلحاحاً ..لماذا نكتب ؟وهل هناك جدوى من الكتابة في ظل واقع معاشي مرير وصعب ؟ في ظلّ خراب ٍ ينتشر كالنار في الهشيم ، وهل هناك من يقرأ ويغير سلوكه نتيجة مقالة او زاوية او قصيدة ..؟
هل الكلمات التي ننثرها على بياض ٍ ناصع ٍ كما القلوب الدافئة المحبّة تبوح بما يختلج ما في دواخلنا من مشاعر واحاسيس ..لاننا ندرك جيداً ان الحروف النقيّة هي مفتاح العلاج لازماتنا وخرابنا وحزننا الدفين الذي يرخي بظلاله على كل مفاصل حياتنا ..
-هل مازالت الكتابة بالغة التأثير ، عظيمة الدور والأثر ؟
فالكتابة ثمرة نضج لافكار يختزنها ويختزلها العقل وتصبح اكثر ثراءً وفائدة وذات معنى عندما تُترجم على الورق على شكل قصة او قصيدة او مقالة ، ولولا الكتابة لما استطعنا ان نلج عوالم الفكر والمعرفة وننهل من معينها الثر الذي لا ينضب .
قد يرى البعض انّ الكتابة هي محاولات عبثية في زمن الخراب الذي يحاصرنا من كل حدب ٍ وصوب ، وهي اي- الكتابة -لا تغني او تسمن من جوع لذلك نجد معشر الكتّاب على اختلاف مسمياتهم هم الاكثر فقراً وبؤساً وحاجة مادية ومع ذلك لا يكفّون عن الكتابة والبوح ونثر افكارهم ورؤاهم وتطلعاتهم المستقبلية ، مع إدراكهم بان ما يقومون به هو تعبير عن وجودهم وهو الطريق للابدية والخلود .
والكتابة هي صرخة كل مقهور ومظلوم عندما تحاصره الاحزان والقيود ، صرخة مدويّة في وجه القبح ، مشكاة تنير دروب العتمة والظلام الذي يريده البعض وجهاً لحياة بائسة عنوانها التسلط والظلم الابتعاد عن الحقيقة .
والكاتب بموقعه المتقدم في المجتمع يرى انه صوت من لا صوت له ، يستطيع بفكره النّير وتعابيره المُنقاة بحرفيّة بالغة ان يؤجج المشاعر ويوجّه البوصلة ، ويعيد التوازنات كما يشاء ، وينقل بقلمه شكاوى ومعاناة الناس منبّهاً إلى خطورة الواقع وما يحمله المستقبل من احداث قد تغير وجه التاريخ .
ويستمر السؤال الذي يبحث عن إجابات وإجابات …لماذا نكتب ؟
هل ياتي الوقت الذي يملّ فيه الكاتب من الكتابة ، يكسر قلمه او يجعله يصدأ في غمده أو كما يقول المثل الشعبي ( كسّرنا الدف وبطلنا الغني )؟!
ولان الكتابة حياة تعطي لممتهنها الشعور بالوجود الابدي ، ولانها رسالة لا تتوقف عند زمن وعمر محدد يمضي الكاتب وهو يشحذ الهمة ليرسم بكلماته لوحات تزينها الصور المعبّرة ، وتلونها الحروف بألوان هي مزيج بين القلب والروح .
نكتب للارض التي تُنبت الخير وهي تصافح اكفّ الفلاحين المعفّرة بالتراب ،وهم يزينون صباحاتهم بالأناشيد رغم ما يعانون ، يظل الفرح عنوانهم الذي لا يضلون طريقه …
نكتب للجنود وهم يتأبطون بنادقهم ويسيجون الوطن بالسواعد والهامات الممشوقة ، يسهرون ، يحرسون الوطن بالمقل واهداب العيون .
نكتب لمن ضحوا بدمائهم وارواحهم كي يبقى الوطن حرّاً عزيزاً معافى …الشهداء مشاعل النور .
نكتب للامهات وهن يودعن أبنائهن الشهداء في مواكب العزة والكرامة .
نكتب للشرفاء في بلادي وفي كل اصقاع الارض وهم يمضون في صياغة ابجديات الأخلاق والصدق والشفافية ، فالكتابة بعث ما في الروح إلى الملأ ، إلى الفصاء الواسع ، عسى ترحل تلك الهموم والاحزان التي ما فتئت ترافق الفقراء وهم ياكلون لقمتهم بالحلال ، بعيداً عن السحت والسرقة والاحتيال والاحتكار والاستغلال ..!؟
نكتب لاطفال بلدي وعيونهم ترنو إلى مستقبل اكثر فرحاً وجمالاً ، وعقولهم وأفئدتهم تشخص (على علم ٍ ضم شملَ البلاد )
الكتابة خلود ابدي ، رحلة شيقة عبر قطار الزمن ، مهما اشتدت الخطوب والمحن ، وكثر الرياء والمحاباة ومسح الجوخ ، تمضي الكلمة عبر فرسانها من الشعراء والادباء والإعلاميين لتضيء عتمة الدروب المقفرة وهي على قناعة تامة بانّ صداها سيصل إلى من يؤمنون بدور الكلمة في البناء والتغيير ولو بعد حين …
سنظل نكتب مادامت الشمس تشرق كل صباح معلنة ولادة يوم جديد مزنّر بالأمل والتفاؤل والحياة …
نكتب لكلّ إنسان يرى في الكتابة مساحات خضراء تنير العقول وتبهج الأنفس …نكتب…ونكتب…ونكتب
العدد 1156 – 22-8-2023