الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
الكتابة بكلِّ أنواعها فن راقٍ يُسطِّر الكاتب على الورق قصصاً يأخذنا من خلال كلماته الرقيقة إلى عالم آخر من الدعة والجمال والسحر. نراه يسرح بمخيلته في عوالم بديعة جذابة، وربما تكون واقعية. كم شغفنا ونحن صغار بحكايات الطفولة المثيرة وعالمها الجميل. تنشَّقنا هواء الغابة؛ وكرهنا فعل الساحرات، ودخلنا أجواء خيالية تصل لحدِّ السريالية أحياناً؛ وعلى أرض الواقع سُحرنا ونسيج حكايات صندوق الدنيا وأبو زيد الهلالي المقتبسة من التراث الشعبي وألف ليلة وليلة وشعرعنترة والشنفرى صاحبي الألفاظ الجزلة الفصيحة العامرة بالحكمة والتأمل.
تحريض
رأت أمينة سر فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب الشاعرة ريما خضر أنَّ الكتابة تحريض، تُدخل الأفكار في المجال المغناطيسي لخيال الكاتب فتخرج قوة مغنافكرية ولكن الكتابة خلق جديد، تنزيه عن مجردات الحياة المتعبة، إنَّها ارتداد الفرح إلى أرواحنا المرهقة، حيث تمنحنا مساحة كونية جديدة نُحلِّق من خلالها لنُعبِّر عن وجعنا وفرحنا.. عن آلامنا وآمالنا بلغة الفرد وصراخ العالم، ففي الأعلى يصح صوت الكتابة أنقى ولا غبارعليه لأنَّه لا يحمل ثقل القيود وبها نتنفس حين تصبح الحياة بحراً لامفر من الغرق فيه، والكتابة تؤنس وحدتنا حين يتخلى الجميع عنَّا تأخذ بيدنا وتربت على كتفنا.
عالم جميل
كما أشار الأديب عيسى إسماعيل بأنَّ الكتابة أصبحت هواية لديه منذ الصغر ولكي يجد معادلاً موضوعياً لما يجول في صدورنا من فرح وألم ويأس وحزن نريد أن نعبِّر عن داخلنا في عالم كتابة جميل اخترناه لنفرش أفكاراً ما أولاً ومشاعرنا ثانياً. قال أحد الفلاسفة: «أنا أكتب إذاً أنا موجود» وهكذا نحن نريد التعبير عن أنفسنا، أن نضع عالماً آخر فيه قيم الحق والخير والجمال.
مثلما يُجسِّد الفنان التشكيلي رؤيته بالألوان، فالأديب يعكس مافي خلده بالحبر المنساب على الورق. والكتابة ظهرت منذ وجد الإنسان كي يعبِّر عن مشاعره أولاً بالرسوم ثم كانت أول أبجدية في التاريخ «أبجدية أوغاريت»، فالكتابة مرآة لأنفسنا ومجتمعنا لأنَّ الكاتب ضمير المجتمع المعبِّر عن آماله وآلامه بالحروف وكانت الكلمة المكتوبة مسبوقة بالقراءة، التعبيرالشفوي سبق الكتابي، ومنها أتت الآية الكريمة:»اِقرأ باسم ربك الذي خلق».
حالة إبداع
بدورها الشاعرة طهران صارم رأت بأنَّ الكتابة قبل كلّ شيء حالة إبداع خاصة تعود لسمة جينية ولدت مع المبدع … فالكاتب يشعر بحاجة شخصية لتفريغ حالة فكرية أو عاطفية وشعورية على الورق وعندما يشعر بأنه أشبع هذه الرغبة الروحية لديه.. هنا يتجه ليبحث عمن يشاركه الحالة وأقصد القارىء.
بالطبع ليست كلّ كتابة حالة قابلة للتشارك مع الآخر ولكن الكتابة الإبداعية تبدأ من حالة خاصة يعيشها الكاتب ومن ثم تتحوَّل إلى حالة عامة يدركها القارىء حسب مستوى فهمه وثقافته وشعوره ونفسيته. فالكاتب يكتب ليُرمِّم جرحاً ما في نفسه ويملأ فراغاً في روحه، وليجيب عن أسئلة تعصف في دماغة، ولأنَّه يمتلك الأدوات التي لا يمتلكها غيره سنجد أنَّ ما كتبه لامس شريحة واسعة من القضايا الفكرية والاجتماعية وغيرها، وربما كان إبداعه حجرأساس لبناء حالة فكرية ومجتمعية جديدة.
والكتابة استشراف وفك ألغاز وحلول وارتقاء جمالي باللغة والتعبير ومن أجل كلّ ذلك يتناول الكاتب قلمه ويخطُّ كلماته.
صديقنا الورق
الشاعرة جدعة أبو فخر
ليست الكتابة عرضاً عادياً إنها مخاض روح يعلن مولوداً جديداً لا يكبر إلا في عيون مَنْ يقرأ. لا يكبر إلا حين يقع في قلوب الآخرين؛ فنحن لا نكتب لنرقص ونُغنِّي…
نحن نكتب لأفراحنا.. لأحلامنا المسروقة خلسة.. لطموحاتنا المؤجَّلة. نكتب لٱلامنا لأوجاع لا نبرأ منها إلا حين نخطُّها حبراً؛ ليست الكتابة ترفاً إنَّها نزف روح لا تكفُّ عن الأنين، ورسائل نتركها لأجيال و أجيال. لجيل ربما لم يولد بعد فمَنْ يتعاطى الكتابة يقع في مغبَّة إدمان الفكر والحرف، فمَنْ يتعاطى الكتابة يملك مسباراً تقع عيناه على كلِّ خفي ويقع تحت مسؤولية الوعي والحبر؛ لأنَّ أكثر ما يخذلنا في معترك الحق أقلام العبودية، فالورق ماعون الشعوب وتاريخها ويحفظ سيرة الأمم و إلا فلولا شعر الجاهلين من أين لنا التعرّف إلى نمط حياتهم و حكاياتهم؟ إنَّهم يكتبون لصديق لهم يُسمَّى الورق.
العدد 1156 – 22-8-2023