ديب علي حسن:
ليس من باب مقاربة الزمن أو التفضيل بين هذا الشهر أو ذاك، هذا الفصل أو .. لا فالزمن جار بنا إلى نهايات محتومة..
وما نتركه من إبداع على صفحاته هو الخالد..
وإن كان الكثير من الشعراء والمبدعين يرون أن فصل الخريف هو ذروة النضج في كل شيء.. بينما يرى آخرون أنه بداية الاكتئاب والحزن كما عند خليل مطران في قصيدته المشهورة المساء.
أما عند الرحابنة وفيروز فهو ورق الذهب الأصفر..
وعند سليمان العيسى ( وريقات تضفر في الدرب).
ولكن خريف محمود درويش أمر آخر لاسيما في رائعته مديح الظل العالي.
إنه خريف الحزن ولكنه حزن متوثب نحو الغد ولعل ما قاله في هذا من أجمل ما قيل في الشعر العربي يقول درويش:
بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ…
بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها.
بحرٌ لمنتصفِ النهارِ
بحرٌ لراياتِ الحمامِ, لظلِّنا, لسلاحنا الفرديِّ
بحرٌ, للزمانِ المستعارِ
ليديكَ, كمْ من موجةٍ سرقتْ يديكَ
من الإشارةِ وانتظاري
ضَعْ شكلنا للبحرِ. ضَعْ كيسَ العواصفِ عند أول صخرةٍ
واحملْ فراغَكَ…وانكساري
….واستطاعَ القلبُ أن يرمي لنافذةٍ تحيَّتهُ الأخيرةَ,
واستطاع القلبُ أن يعوي, وأن يَعدَ البراري
بالبكاء الحُرِّ…
بَحْرٌ جاهزٌ من أجلنا
دَعْ جسمك الدامي يُصَفِّق للخريفِ المُرِّ أجراساً.
ستتَّسعُ الصحاري
عمَّا قليلٍ, حين ينقضُّ الفضاء على خطاكَ,
فرغتُ من شَغَفي ومن لهفي على الأحياء. أفرغتُ انفجاري
من ضحاياك, استندتُ على جدارٍ ساقطٍ في شارعِ الزلزالِ,
أَجْمَعُ صورتي من أجل موتكَ’
خُذْ بقاياكَ, اتخذني ساعداً في حضرة الأطلالِ. خُذْ قاموسَ ناري وانتصرْ
في وردةٍ تُرمى عليكَ من الدموعِ
ومن رغيفٍ يابسٍ, حافٍ, وعارِ
وانتصرْ في آخر التاريخِ…
لا تاريخَ إلا ما يؤرِّخه رحيلُكَ في انهياري
قُلنا لبيروت القصيدةَ كُلَّها, قلنا لمنتصفِ النهارِ:
بيروت قلعتنا
بيروت دمعتُنا
ومفتاحٌ لهذا البحر، كُنَّا نقطة التكوينِ.