الكتابة مسؤولية وغواية تترجم أحلامنا

الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
يغوينا القلم دائماً لنُريق حبره على الورق ويكون المنتج كلمات جميلة لا أحلى ولا أروع، تعبِّر عن مكنونات النفس أو تُفنِّد مايدور على أرض الواقع.
كم ترك لنا الأدباء والشعراء والقصاصون مؤلفات بقيت شاهدةً على حياتهم مدى الزمن كما الآثار والأوابد التاريخية الشَّاهدة على عراقة الأمم وأصالتها كتراث لا مادي يحكي قصصاً ورواياتٍ ويُوثِّق أحداثاً تجعلنا نسكب الدمع لقساوة مجرياتها تارة، أو تنفرج أساريرنا سروراً وبهجةً وفرحاً في أخرى.
– الكتابة غواية:
طرح عضو اتحاد الكتاب العرب منذر يحيى عيسى في فاتحة حديثه سؤالاً: هل تعتبر الموهبة دافعاً للكتابة الإبداعية الأدبية؟! فالموهوب مُنِحَ قدرة استثنائية للتعبير، وإخراج المشاعر وتوسيدها، مفرداتٍ وجملاً، على بياض الأوراق.
هل نكتب لنؤكد أنَّنا ما زلنا على قيد الحياة؟! ربما تكون الكتابة كأنفاسنا تتكاثف لتتحوَّل غيوماً تهمي على صحراء وقتنا، ولتمنح أرواحنا نسغاً يمدُّها بالحياة!
أو تكون محاولةً لفتح ثغرةٍ في جدار الظلام! ونحاول بالكتابة أن نُفَصِّلَ حياةً على مقياس أحلامنا، ونرتق نسيجاً لنكسو السماء بثياب تفيض خيراً على بيادر الجائعين، وتكون محاولةً للاستعاضة عن فيض الوجع والألم الكامن بدواخلنا ويستحيل إلى أزرق يتكدَّس وكأنَّهُ عبقُ الأمل! أو محاولةٌ منّا لإنقاذ أرواحنا من غرق قائم أو قادم، فربَّما هناك حوتٌ نجد في بطنه ملجأً، في الطريق إلى ظلال أوراق اليقطين.
الكتابة إحدى الغوايات تدفعنا لاقتراف الحياة بشكلها المغاير فنرتوي من عذبها مرتين، أو نصنع مرايا نرى فيها أرواحنا، أو خيالاتها وتترأى على ضفافها كسراب مخاتل، وربما لنحاول بناء منازل لأجساد فانية، وأرواح ترفض الذبول وتبقى تشاغب ساحرة، وتكون محاولة خلق لرؤى في الباطن ونرى إشهارها كراية حق ناصعة على روابي الحياة.
وتجعل السماء تمطر ولو حجارة من سجيل باحتكاكها وتتولد شرارات لتبقى على نيران الحياة متقدة وتكون محاولة لجسر الهوة بين الحلم والواقع، أو لحياكة أثواب زاهية لجسد الواقع هرباً من عريّه وقباحته مع كل النوازع النفسية والاجتماعية والفكرية ترافقنا منذ صرخة الولادة، وحتى صرخة التفجع عند الرحيل أرى أنَّها فعل حياة وتصير أسلوباً وطريقة تفكير، نقبض فيها على لحظات كأنَّها الجمر تاركةً أثراً لذيذاً رغم أنَّه ألم بأقصى معانيه، وتكون بشكل إرهاصات لولادة أمل مرتجى، فيه نرى العالم وكأنَّه أكثر أماناً حيث تكون الكلمات بيتاً للروح في رحلتها المضنية بين فضاءات أحياناً تضيق وتكون فعلاً اختيارياً وإجبارياً، الكلمة رسالة لها مشروعيتها وحقها في الوصول إلى مبتغاها.
لماذا نكتب؟ هل نملك أجوبة تأخذ شكل أسئلة، عندها ندور في حلقة مفرغة، ولا أجوبة تروي ظمأ شغفنا بالمعرفة في زمن أحاطت به هلامية الأشياء وعرقلت زحفنا نحو هدف مفترض، ربَّما نعجز عن إدراكه، ويبقى يداعب مخيلتنا كسراب بقيعة.
نكتب ونحن في شك من وصول الرسائل إلى غايتها، والقدرة على فك رموزها في زمن باتت حتى لقمة العيش مخادعة، ومن يرى يعيش غريباً أو يُفْرَدُ كبعير معبد تحت ظلال من قساوة المادة وقيم لا ترحم، ساحقةً أرواحنا قبل الأجساد، نكتب لنترجم أحلامنا، كلمات نوسِّدها أديم الصفحات كأضعف الإيمان لنشرك الآخرين قسراً بأحلامنا من أجل خلق حالة تواصل مع المحيط، وفي بعض الأحيان لنثير غبار الأسئلة، لنعلن فرحاً طارئاً، ونخاف لنؤكِّد أنَّ الحزن يكون الأبقى وأنَّ قلوبنا ما زالت كفراشةٍ مشاغبة والطبيعة توءمان وأنَّه لابدّ من العودة يوماً إلى دفء التراب وبأنَّ أرواحنا الحبيسة ستغادر مكانها كعصفور مهاجر، لما تزل تشاغب ساحرة والحياة مثل نهر يجري لننشر الجمال بدل قبحٍ مستشرٍ في الذاكرة وكل الأمكنة، وأنَّنا ما زلنا على قيد حياة.
– تقص حكايات المتعبين:
بدوره الكاتب والقاص حسن إبراهيم الناصر لفت بأنَّ أهميّة الكتابة تكمن في رسالة تحملها من خلال أفكار ورؤى يؤمن فيها الكاتب ويريد توصيلها للمتلقي القارىء وعليها مسؤولية بناء فكر وثقافة الأجيال تستنهض المجتمع بنشر ثقافه الوعي في مواجهة الغزو الغربي المدمر للحياة الاجتماعية والأسروية بتمرير بعض المصطلحات ونظريات أعلن عنها بكل صلافة أثناء حياكة خيوط الحرب المؤامرة على سورية والوطن العربي.
من وجهة نظري في المرحلة الحالية المهمة والحاسمة من تاريخ سورية يجب الكتابة عن أبطال الجيش العربي السوري وكل المدافعين عن سورية وفي المقدمة: الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودون وعائلاتهم وذويهم وأبناؤهم ومحبوهم وبلدانهم وبيوتهم المدمرة وقراهم وبعد أن تحوَّلت إلى ركام، كلَّهم يستحقون أن تتحول قصصهم وحكاياتهم وملاحمهم الأسطورية في معركة الدفاع عن سورية إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفازية لتوثيق المرحلة بكل جوانبها ونتائجها.
الكتابة مرآة الوطن تعكس رؤى وفكر وثقافة الكاتب، كتب الشاعر العربي السوري سليمان العيسى:
«اكتب ما شئت على أن تبقى أنت، أنت تُقدِّم نفسك بصدق للآخرين تحيا فيهم ويحيون فيك»، فالكتابة تحافظ على وجود الإنسان في أي مجتمع من خلال الروايات والقصص ودوواين الشعر وكتب التاريخ والفلسفة وآلاف البحوث العلمية والفكرية، والكلمة المتجسدة كأنَّها كائن حي على بياض الورق تحمل أحلام الكاتب إلى كلِّ العالم، يعني أن تواصل الكتابة فأنت تواصل الحياة بكل ما فيها من قيم ومعانٍ معرفية وأخلاقية من دون أن تتقيَّد ضمن قوائم وأحكام الآخرين وأفكار تحمل رؤى وفكر وثقافة الكاتب وتفتش عن هموم الناس حتى قاع المجتمع لتكون الكتابة كما الكلمةُ بنت الزمن والمكان مهما كانت ظروف العيش مريرة تحكي عن المحرومين والمتعبين كما تروي حكايات العشق للبحر وللينابيع العذبة تزهر في كل فصول الحياة..
الكاتب يفترش الليل دفتر الذاكرة ويبدأ مع كل شمس متجدداً بالحياة ينسج من الحزن شلال فرح، وفي أحيان كثيرة تُشكِّل الكتابة رابطاً متيناً بين شعوب العالم مهما تعدَّدت اللغات واتسعت الجغرافيا وكانت الجهات، ثمة أشياء تعتبر من مقومات الحفاظ على المجتمع أهمّها: اللغة والهوية المعبران عنها من خلال الكتابة المتمسكة بثوابت الوطن والعروبة والقومية وسيرورة الحياة الاجتماعية، الرافضة للانزياحات والتقوقع ضمن قوالب، بل تحمل مشعل العلم وتحثُّ على العمل وتنشر ثقافة المعرفة والوعي والانتماء للوطن، والكاتب وقت كتابته يصبح كالفلاح حين يزرع القمح ويغرس الزيتون لتجني الأجيال نتاج زرعه وتصير الكلمة أشجاراً وأنهاراً وأحلاماً لا تنتهي وتصبح للكتابة معناها الأهم الإنساني في معمودية العشق والانتماء والدفاع عن الوطن وتحقيق الحدِّ الأدنى من العدالة فتُشَقُّ نوافذ للضوء في عتم ليل طال أرقه وحكاياته لا تنتهي.
                     

العدد 1158 –  5-9-2023    

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها