الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
سؤال مهم في ظل هذه الأوضاع التي تمر بها أمتنا ووطننا.. هل تغلب هموم المثقف العربي على نفسه وتقعده عن مهمته ووظيفته وخدمة مجتمعه؟ المثقف العربي، واحد من أفراد مجتمعه، يتأثر بعاداته وتقاليده وثقافاته، ويحمل همومه، ويشاركه أفراحه وأحزانه، وليس هناك ما يميزه عن غيره، سوى تقدمه في الفكر والوعي، عن سائر أفراد مجتمعه.. لكن هموم المثقف لا تنحصر به بل تتسع لتشمل محيطه ومجتمعه.. فهي ليست هموماً خاصة لفئة معينة من البشر، بل هي هموم تلقي بثقلها على معظم الناس، لكن ثقلها ليس متساوياً على الجميع، بمعنى أن ثقله نسبي، وضغطه على المثقف هو أعلى بكثير منه على الآخرين.. وبالمثل فإن انعكاسات هذه الهموم على أداء المثقف، هي غيرها على عموم المواطنين.. فالهموم الدائمة للمثقف، ليس في مجالنا العربي فحسب، بل وعلى المستوى العالمي، فإن أياً من البشر، لا يستطيع، تحقيق ذاته، وأداء دوره الوظيفي والاجتماعي من دون الحصول، في الأقل، على الحدود الدنيا منها فمثلاً حرية الشعوب وتحررها من الاستعمار.. وهي مبعث لتحولات كبيرة وثورات وانتفاضات وأحداث تاريخية كبرى، منذ القدم وعلى مر العصور.. لكن تأثير وجود هذا الهم، يضغط كثيراً على المثقف، أكثر من ضغطه على سائر أفراد المجتمع.. لأن شرط العطاء والإبداع في حالته هو توفر مناخات من الحرية، تتيح لعمله النجاح.. ولذلك عندما تضيق مساحات الحرية، تتراجع الثقافة والفكر، وتسود الخرافة والخزعبلات، ويضيع العلم والفكر العلمي.. فالحرية حرية الشعوب في التفكير والثقافة والعلم شرط وظيفي لازم، للإبداع، ووضوح الرؤية الواقعية للمستقبل الأفضل.. لكن التوق للحرية في جوهره، يظل واحداً، سجلته أسفار الحضارات القديمة والحديثة للتفاعل مع الحضارة الإنسانية المعاصرة، والولوج فيها.. لا بد أن تكون من مهام المثقف، العمل على تجاوز العناصر الناكصة، والمعوقة للنهوض في مجتمعاتنا العربية، وهي مهمة عسيرة، لكنها ليست مستحيلة.. وتحقيقها هو أقصر الطرق، لتجاوز الهموم، وتحقيق الذات، والنهوض بالثقافة والفكر.. لا مناص في ظل الأوضاع الصعبة، التي يمر بها المثقف العربي، من عمل خلاق يجعل من التحدي عاملاً محفزاً للانطلاق، وتقديم عطاء وافر، أكثر غزارة، وأرقى مستوى، وأكثر قابلية للبقاء.. وقد شهدنا مثل ذلك، فيما خلده التاريخ الإنساني، من فنون وآداب، وفلسفة وإنتاج فكري، في عصور معتمة وصعبة.. وإن الثقافة ليست شأناً راكداً، ومحايداً.. إنها صناعة الإنسان، ولن تكون ثقافة حقة، إلا في حال التزامها بقضايا الإنسان، وهمومه، ومستقبله.. وذلك يعني تلازم الإبداع بمعايير أخلاقية ووطنية، وبما يعيد الاعتبار للمثقف العضوي، ولمقولة أن المثقف هو ضمير أمته.
العدد 1158 – 5-9-2023