لم تعد أعداد المدارس قليلة.. كما أعتقد.. في العام والخاص، ففي كل منطقة كفايتها حتى مع تزايد أعداد السكان فيها .. إلا أن الحيرة التي يعيشها الأهالي في اختيار مدارس أبنائهم تشكل فرقاً في نفسية الطلبة بجميع المراحل وليس في مرحلة التعليم الأساسي الأولى فقط.
بات الأمر مقلقاً لعدة أسباب وتجارب سابقة عاشها الأهالي مع المدارس العامة وخاصة في أرياف دمشق القريبة كما في الكسوة وصحنايا وجرمانا والأشرفية، فقد مضى العام الدراسي السابق وهي تعاني من نقص شديد بالمعلمين والمدرسين من الاختصاصات الأساسية. اليوم يبدو أن المشكلة لا تزال قائمة ويرافقها حركة نقل كبيرة من المدارس العامة إلى المدارس والمعاهد الخاصة. ولأن من لا يعترف بمرضه ليس عليه أن يطمع بالشفاء.. فإن الكرة في ملعب مديرية التربية التي تعاني تكرار هذه المشكلة سنوياً بنسخ أكثر رداءة عن سابقتها دون أن تعمل على حل جذري لها أو حتى التخفيف منها، علماً أن أشهر الصيف قد تكون كافية لتشكيل داتا تحدد فيها أماكن النقص وتنهي موضوع التعيينات وتوزيع المعلمين، بدلاً من أن تعلن موعد الالتحاق بالمدارس وهي لا تحمل معها سوى المسكنات.
تبدو المشكلة أكبر عندما يقضي الطلبة الأسابيع الأولى من كل عام دون تدريس.. فهم فقط يذهبون إلى المدارس التي يرافقها حركة انتقال فيما بينها طمعاً بالأفضل وحركة نزوح نحو المدارس الخاصة والمعاهد التي أصبحت أعدادها تفوق المدارس الحكومية في هذه المناطق والتي تستقطب المعلمين والمدرسين إليها بطرق مختلفة.. وكذلك الأمر عندما نجد قناعة تامة لدى الأهالي أنه لا خيار أمامهم سوى نقل أبنائهم إلى التعليم الخاص رغم معرفتهم بموضوع الاستغلال المالي الكبير في كل تفاصيل العملية التعليمية.
إن المشكلة ليست في عدم وجود خريجين وكفاءات، ولكن المشكلة في رفض هؤلاء الخريجين العمل في المدارس الحكومية التي تشكل محط خوف من ضياع حقوقهم وعدم توافر أدنى الشروط التربوية المعقولة وتدني الرواتب وخاصة للمدرسين الوكلاء ومدرسي الساعات.
إن فكرة الاستعانة بالخبرات لطلاب الجامعات في السنوات الأخيرة من دراستهم الجامعية والخريجين الجدد وفقاً لنظام الوكلاء أو الساعات لم تكن مشجعة لهؤلاء بسبب استهتار مديرية التربية بحقوقهم رغم أنها رواتب هزيلة جداً، وعلى سبيل المثال فحتى الآن مديرية تربية ريف دمشق لم تعط هؤلاء المدرسين أجورهم الساعية الخاصة بالعام الماضي رغم أنها قليلة جداً ورغم أنهم يشهدون بداية عام دراسي جديد مما يمنعهم من خوض التجربة مرة ثانية.
إن حل هذه المشكلة يتطلب رؤية حقيقية وليس تصريحات خلبية، وهو يحتاج إلى إعلان حالة طوارئ في مديريات التربية بعيداً عن الروتين التقليدي الذي لا يحل المشكلة بل ينقلها من عام إلى عام.