الثورة _ هفاف ميهوب:
ما يعيشه الإنسان المعاصر من تأزّمٍ وتيهٍ واغتراب، وما يشعر به من لا جدوى الحياة التي باتت بالنسبة له، محنة كبيرة تسبب الانفصام والاكتئاب.. ما يعيشه ويشعر به هذا الإنسان، يجعله بحاجة ملحّة لتحرير نفسه وروحه، من قلقه وضجره وتوتّره ويأسه..
إنها «اللاطمأنينة» التي وإن كانت سبباً في سعي أشهر مبدعي العالم، لتحرير أنفسهم من كلّ هذا، عبر الكتابة بأنواعها، إلا أن هذه الكتابة، كانت لدى الكاتب والشاعر البرتغالي «فرناندو بيسوا»، أشبه بمخدّرٍ يثير الاشمئزاز، لكنه لا يستطيع التخلّي عنه، بل عقوبة لازمته، وأجبرته على اقتراف ما لا يرغبه..
يعيش اللاطمأنينة، فيكتب خواطره ويومياته عنها، دون أن يتوقّع بأنها، وبما تناوله وكتبه خلال عزلته، وعن الحياة التي اعتبرها كارثته.. دون أن يتوقّع بأن هذه اليوميات، التي استمر في كتابتها لمدة عشرين عاماً، ستكون من أشهر وأهم أعماله شعراً ونثراً..
«أعاني من الحياة ومن الناس الآخرين، لا أستطيع النظر إلى الواقع وجهاً لوجه، حتى الشّمس تثبطني وتُحبطني..
عزلتي ليست بحثاً عن سعادة لا أمتلك روحاً لتحقيقها، ولا عن طمأنينة لا يمتلكها أحد، وإنما عن حلمٍ، عن انطفاء..»..
نعم، هي «اللاطمأنينة».. الكتاب الذي سعى من خلاله، للهروب من الواقع، ومن الحياة التي رفضها أكثر في أعماله، وهو هروبٌ رغم طول مدّته، لم يمنعه من أن يترك بصمته:
«لم أطلب سوى القليل من الحياة، وحتى ذلك القليل رفضَتْ منحي إياه.. طلبتُ حزمة من ضوءِ الشمس، القليل من السكينة، مع قليلٍ من خبز، ألا تُثقل عليّ كثيراً معرفتي بأنني موجود، وألاّ أطلب من الآخرين شيئاً، وألا يطالبونني هم بأيّ شيء كلّ هذه الرغبات تم تجاهلها!»..
حتماً هو الأثر العظيم الذي يفرض على إنساننا المعاصر، أن ينشغل بالبحث عن أثرٍ يشبهه، وليس شرطاً أن يكون ذلك عبر الإبداع والكتابة، فالمهم أن ينشغل بما يرتقي به ويحرّره.. يحرّره من قلقه ويأسه وتوتّره وألمه، كي يحافظ ومهما تفاقمت معاناته وعزلته واللاطمأنينته، على ماتبقّى من عقله ووعيه واتّزانه وإنسانيّته..