لا تخشى أن تُعرف هويته.. مقدار ما تتحاشى حصول سرقة لخصوصية الحالة والطابع الدافئ للمراسلة، حين تُعرف الحكاية.
أن تنكشف تفاصيلهما.. وأسرارهما الصغيرة التي كلّما ارتفع مستواها زاد عيار السعادة لكليهما، هو ما تداري وقوعه.
وكأنها تتماهى تماماً وتتشاطر الإحساس مع بطلة الأغنية الفيروزية حين تقول: “وانسرقت مكاتيبي، وعرفوا إنك حبيبي”.
كلّما مرّ هذا المقطع الغنائي على مسمعها تجدها لاشعورياً تتساءل عن مصير المحبوب والمحبّ في هذه الأيام حيث لا رسائل ولا مراسلات ورقية..
كل شيء تحوّل إلى نبضات إلكترونية..
هل أصبحا في أمانٍ أكثر.. أم أن العكس هو الحاصل..؟
شغف الاحتفاظ بالكلمات المكتوبة وكأنها رسومات غالية الثمن تم طيّه واستبداله بإيقاع النغمات المتعددة المترافقة مع الرسائل الإلكترونية التي تصلنا عبر أجهزة أُريد لها الذكاء صفة لا تفارقها.
عن أي ذكاء يتحدثون إذا لم يكن قادراً على نقل تعرجات وانحناءات الحرف الذي يخطّه الحبيب..
إذا لم يكن قادراً على حماية البصمة (الخطيّة) لكلّ منا..
فعصر الذكاء أفرز نسخاً شديدة التشابه في كل شيء..
لم يعد هناك تمايزات ولا اختلافات.. التعابير الوجهية اختصرت في رموز صفراء .. والعبارات باتت سريعة.. مختصرة.. مختزلة حدّ الملل والتثاقل حتى من إرسالها.
في فيلم (لديك بريد، You have got mail) والذي أُنتج عام 1998، يتمّ الحديث عن حكاية حبّ تقع بين “كاثلين وجو” افتراضياً.. يظنان أنهما لم يتعارفا بعد.. والحقيقة أنهما يكرهان بعضهما واقعياً.
وكأن هذا الفيلم كان يبشّر باندثار الرومانسية بشكلها التقليدي، وظهور أخرى منافسة بأدواتها العصرية، الافتراضية، الإلكترونية، السريعة.
في أحد مقاطع الفيلم وبينما يتراسلان عبر الإيميل، تقول كاثلين: (الشيء الغريب في هذا النوع من التواصل هو أنه من المرجح أن تتحدث عن لا شيء أكثر من شيء ما). ليجيبها جو: (أريد فقط أن أقول: هذا ال(لا شيء) يعني لي أكثر من أشياء كثيرة)..
في هذه الجزئية يشير العمل إلى إمكانية توفير نوع من جاذبية التواصل عبر الأساليب الافتراضية، من الممكن عدم توافرها في الأساليب التقليدية.
بالنسبة لها، تبقى تحيا هواجس الأغنية (وانسرقت مكاتيبي..) بشيء من الفرح الممزوج بسعادة بطلة فيلم (لديك بريد) حين تعترف لنفسها: (تنحبس أنفاسي في صدري حتى أسمع الكلمات الثلاث الصغيرة “لديك رسالة جديدة”.. لا أعد أسمع شيئاً، ولا حتى أي صوت… فقط صوت دقات قلبي، فأنا لدي رسالة.. منك أنت).