سامر البوظة:
نصف قرن كامل من الزمن مر على ذكرى قيام حرب تشرين التحريرية ولا تزال هذه الذكرى ماثلة أمام أعيننا ونبراسا تهتدي به الأجيال على مر السنين لما تحمله تلك الحرب من مثل وقيم ومعان، والتي سطر من خلالها رجال الجيش العربي السوري الميامين أروع ملاحم البطولة والفداء وحققوا نصرا مؤزراً على العدو الإسرائيلي وحرروا الأرض ورووها بدمائهم الطاهرة مقدمين درساً للعالم أجمع كيف تكون التضحية وكيف يكون حب الوطن والدفاع عنه.
حرب تشرين التحريرية التي قادها وخطط لها القائد المؤسس حافظ الأسد, لم تكن حدثاً عابراً أو حرباً تقليدية بل كانت محطة تاريخية ومنعطفاً هاماً في تاريخ سورية خصوصاً ، والأمة العربية بشكل عام, فقد أعادت للإنسان العربي كرامته ووجهه الأصيل وقدمته للعالم على أنه صاحب حق وقضية عادلة, فما بعد الحرب ليس كما قبلها, ولعل من أبرز نتائجها أنها بدلت من معادلات القوى والتوازنات الإقليمية في المنطقة, وغيرت من خارطتها السياسية والعسكرية بعد أن أسقطت المشروع الصهيو-أميركي الهادف إلى السيطرة على المنطقة وإعادة تقسيمها ورسم خرائط جديدة لها بما يتناسب ومصالحهم وأهدافهم العدوانية والاستعمارية, فشكلت تلك الحرب بكل مضامينها وأبعادها صفحة مشرقة في تاريخ الأمة العربية وكانت نقطة التحول الأبرز في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن كسرت حاجز الوهم وحطمت أسطورة ” الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ” المزعومة, وأسهمت بإعادة الثقة إلى نفس الجندي العربي وأثبتت قدرته على تحقيق الانتصار على هذا العدو المتغطرس, لتعلن بعدها بداية زمن الانتصارات ونهاية زمن الهزائم, خاصة أنها جاءت بعد سنين من الإحباط والإحساس العميق بالمرارة الذي تغلغل في أعماق الجماهير العربية مع نكبة عام 1948, ونكسة حزيران عام 1967.
من هنا جاءت أهمية القرار التاريخي الذي اتخذه الرئيس المؤسس حافظ الأسد بخوض الحرب لمحو آثار وتداعيات تلك الهزائم والخيبات، وإعادة الحقوق وتحرير الأراضي العربية المغتصبة، مستنداً على إرادة السوريين ومحبتهم لوطنهم، ولإيمانه المطلق بقدرة الجيش العربي السوري على تحقيق الانتصار، كيف لا وهذا الجيش الذي بني على قاعدة متينة من العقيدة الوطنية منذ تأسيسه عام 1945, لذلك كان النصر المؤزر، وكانت صفحة جديدة تضاف إلى صفحات المجد التي يتميز به سجله العروبي.
إن تاريخ سورية يحفل بسلسلة طويلة من النضال ضد الغزاة والمعتدين, وحرب تشرين التحريرية كانت حلقة في تلك السلسلة التي أكمل من خلالها جيشنا الباسل وشعبنا الأبي ما سار عليه الأجداد, صوناً للأمانة في الدفاع عن الوطن والحفاظ على حريته واستقلاله واستعادة الأراضي المغتصبة, كما أسست لأرضية صلبة وقناعة راسخة على المستويين الإقليمي والدولي بأن عودة الحقوق العربية وإقامة السلام العادل كفيلان بإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة, من هنا كانت الأساس والمنطلق الحقيقي لثقافة المقاومة ضد الاحتلال التي عززتها وكرستها تلك الحرب الخالدة.
واليوم تصادف الذكرى الـ50 لحرب تشرين التحريرية, في وقت يواصل فيه جيشنا الباسل مهماته الوطنية بكل ثقة واقتدار في مواجهة الإرهاب، محققاً الانتصارات المتتالية على العدو الصهيوني المجرم وأدواته الرخيصة المتمثلة بالتنظيمات الإرهابية التي زرعها ورعاها وقدم لها كل أنواع الدعم لتنفيذ أجنداته الخبيثة, وهو اليوم أصبح قاب قوسين أو أدنى من إعلان النصر النهائي بعد أن حرر معظم الأراضي التي دنسها الإرهاب, وأعاد الأمن والأمان إليها, الأمر الذي أفقد العدو الصهيوني صوابه, وجعله في حالة هستيريا دائمة, لذلك نشاهده يكرر اعتداءاته بين الحين والآخر عله يرفع شيئاً من معنوياته ومعنويات إرهابييه بعد الهزائم التي تلقوها والضربات الموجعة التي تلقوها على أيدي أبطال الجيش السوري.
ولكن مهما فعلوا لن يستطيعوا أن يغيروا في واقع الأمر شيئا، فالجيش العربي السوري ماضٍ في مسيرته وفي حربه المقدسة ضد الإرهاب وداعميه، ولن تثنيه كل تلك المحاولات اليائسة حتى يتحرر كل شبر من أرضنا الحبيبة من دنس كل إرهابي مارق أو محتل غاصب، وستبقى ذكرى الانتصار الذي تحقق في تشرين عام 1973 منارة وأيقونة للأجيال على مر الزمان، يقتدي ويفخر بها كل إنسان عربي حر وكل سوري أصيل.
Manhal Ebrahem, [10/6/2023 7:00 AM]