لميس عودة:
لم يكن إحراز النصر في حرب تشرين التحريرية حدثاً عادياً في تقويم الانتصار بل إن هذا الانتصار أحدث منعطفاً هاماً ومفصليا في تاريخ العرب الحديث، وشكل نقطة ارتكاز لكافة حركات المقاومة والنضال ضد الهجمات الصهيو- أميركية، فالحرب العدوانية الشرسة التي يتعرض له السوريون منذ أكثر من 13 عاماً ردا من العدو الصهيوني على هزائمه المرة في حرب تشرين، وقد قالتها رئيسة حكومة العدو الصهيوني حينها غولدا مائير في اعترافاتها “أخطأت حساباتنا وفشلت استخباراتنا .. نتائج الحرب كارثية لنا، وكابوسها لازمني وسيلازمني.”
هذا الكابوس الذي ما زال يثير الفزع لدى الصهاينة ومن منصته انطلقت سهام الحرب الإرهابية على سورية لإزاحة شبح الهزيمة في تشرين التحرير عن ذاكرة الصهاينة، لكن النصر السوري والانجاز المتجدد اليوم سيبقى يثير هلع الكيان الصهيوني ويؤرق متزعميه.
وقد قالها القائد المؤسس حافظ الأسد بعد إحراز النصر في حرب تشرين التحريرية، مؤكدا أن المؤامرات على وحدة الأرض السورية وترابط جغرافيتها لم تنتهِ ولن تخبو نار شرورها، وأن العدو الصهيوني ومن يجاريه بأطماعه التوسعية لن تتوقف مساعيهم لاقتطاع أجزاء من الأرض السورية واستهداف سورية بثوابتها الوطنية والقومية، مستشرفا الحرب التي خاضها ويخوضها السوريون ضد الإرهاب وصناعه و مشغليه أنه “كما كانت ملاحم تشرين والجولان قاسية، فستكون ملاحم المستقبل، بل يجب أن تكون أشد عنفا وأكثر قسوة، فالمعركة معركة مصير، والعدو طامع بأرضنا، وأرضنا مقدسة، ولن نسمح بتدنيسها، وقد نذرنا أنفسنا وكل ما نملك للدفاع عنها، وحددنا طريق الاستشهاد طريقاً لتحقيق ذلك”.
لقد أحدثت حرب تشرين التحريرية هزة عميقة في الوجدان العربي وحررت الإرادة العربية و الشعب العربي من شوائب الضعف واليأس التي علقت به بعد نكسة حزيران 1967 و كما قال الرئيس المؤسس حافظ الأسد: “نعم لقد حررت الحرب نفس الإنسان العربي من بذور الشك والريبة وسموم القلق والخوف، وأعادت إليه ثقته بنفسه واعتزازه بشخصه وأمته وارتباطه بأمسه ويومه وغده، وأحيت في أعماقه الأمل والرجاء، وبعثت فيه القوة والجرأة، والقدرة على الصمود والتحدي والفعل”.
ولم تزل حرب تشرين التحريرية الصفحة الأكثر إشراقا وتشريفاً في تاريخ أمتنا العربية وحدثاً مهماً ونقطة تحوّل عظمى في تاريخ صراع الحق العربي مع الباطل الإسرائيلي، وستبقى الأهداف التي قامت من أجلها حرب تشرين محركاً قوياً ودافعاً عظيماً للنضال العربي لاسترجاع السليب من الأراضي واستعادة الحقوق، رغم شراسة الهجمات التي تتعرض لها سورية التي لم تزل تقبض على جمرات الثوابت ولم تتخل عن قضايا الأمة المركزية ولم تبدل مواقفها، وما زادها العصف الإرهابي الذي استهدفها إلا ثباتاً وتجذراً على ضفة الحقوق المشروعة التي تكفلها المواثيق الدولية، وما زادتها معارك المواجهة التي خاضتها وتخوضها على اتساع خريطتها الوطنية إلا تصميما وإصرارا على اقتلاع مخالب الشر الصهيو- أميركي ونسف مشاريعهما الاستعمارية ومخططاتهما التخريبية الهدامة.
وسائل إعلام عديدة وصحف غربية ومحللين سياسيين واستراتيجيين وشخصيات سياسية سلطت الضوء على ما عكسه الانتصار في حرب تشرين التحريرية، حتى حكام العدو الصهيوني وأركان حروبه اقروا بالفشل الذريع والهزيمة النكراء التي أحاقت بالعدو، ليس على الصعيد العسكري فحسب إنما على الصعيد النفسي الذي ترك ندبات الخسارة والرعب كوشم من جمر لا ينطفئ في نفوس الصهاينة وبقي شبح الهزيمة يلاحقهم ومخاوف تنامي القدرات العسكرية لجيوش المنطقة يلاحقهم وأولها الجيش العربي السوري الذي يقف طودا شامخا في وجه المخططات الاستعمارية والمؤامرات الصهيونية، ولذلك كانت الحرب الإرهابية التي شنت على سورية كونها الصخرة الصلبة و الأكثر منعة في قلعة العروبة وكرامة شعوبها ورمز عزتها.
النصر المؤزر الموثق بسجلات التاريخ..
فيما يلي نورد بعض ما وثقته الصحف العالمية وبعض الأقوال التي وثقت لملحمة تشرين التحرير: “لقد واجه الإسرائيليون خصماً يتفوق عليهم في كل شيء ومستعداً لحرب استنزاف طويلة، كذلك واجهت إسرائيل في نفس الوقت خصمًا أفضل تدريباً وأمهر قيادة” مراسل وكالة الأسوشيتد برس 10تشرين الأول 1973
” كانت الصورة التي قدمتها الصحافة العالمية للمقاتل العربي عقب حرب 67 هي صورة مليئة بالسلبيات وتعطي الانطباع باستحالة المواجهة العسكرية الناجحة من جانب العرب لقوة” إسرائيل” العسكرية وعلى ذلك يمكن أن نفهم مدي التغيير الذي حدث عقب أن أثبت المقاتل العربي وجوده وقدراته وكيف نقلت الصحافة العالمية هذا التغيير علي الرأي العام العالمي ” صحيفة التايمز البريطانية .
” إن الأسبوع الماضي كان أسبوع تأديب وتعذيب لإسرائيل، ومن الواضح أن الجيوش العربية تقاتل بقوة وشجاعة وعزم ، كما أن الإسرائيليين تملكهم الحزن والاكتئاب عندما وجدوا أن الحرب كلفتهم خسائر باهظة وأن المصريين والسوريين ليس كما قيل لهم غير قادرين على القتال.. فينانشيال تايمز البريطانية 11/10/ 1973
“لقد اتضح أن القوات الإسرائيلية ليست مكونة – كما كانوا يحسبون – من رجال لا يقهرون، إن الثقة الإسرائيلية بعد عام 1967 قد بلغت حد الغطرسة الكريهة التي تبخرت في حرب أكتوبر، وأن ذلك يتضح من التصريحات التي أدلي بها الإسرائيليون بما فيهم موشي ديان نفسه.. صحيفة “ديلي صن” البريطانية 12/10/1973
“لقد كان مبالغة في الوهم فعلا من الجانب الإسرائيلي أن يصدق أن الدول العربية ستبقى مستسلمة إلى الأبد حيال احتلال أراضيها ومهما تكن نتيجة المعارك فإن العرب أحرزوا انتصارا وقضوا على الصورة السائدة عنهم.. صحيفة لوموند الفرنسية 26/10/1973
” إن الكفاح الذي يخوضه العرب ضد إسرائيل كفاح عادل .. إن العرب يقاتلون دفاعاً عن حقوقهم ، وإذا حارب المرء دفاعاً عن أرضه ضد معتد فإنه يخوض حرباً تحريرية ، أما الحرب من أجل الاستمرار في احتلال ارض الغير فإنها عدوان سافر”.. صحيفة تسايتونج الألمانية 19/10/1973
” لقد أوجدت حرب تشرين الأول مفهوماً يبدو إننا لم نعرفه من قبل (منهكي الحرب) ونعني به أولئك الذين عانوا من الصدمات النفسية والمنتشرين الآن في المستشفيات يعالجون من أجل تخليصهم من الآثار التي خلفتها الحرب الضارية .. لقد عرف الجنود الإسرائيليون خلال تلك الحرب ولأول مرة في حياتهم تجربة الحصار والعزلة أثناء القتال وعار الأسر والخوف من نفاد الذخيرة .. هاآرتس الإسرائيلية 2/11/1973
“إن غولدا مائير اعترفت- في حديث لها بعد حرب تشرين- بأنها فكرت في الانتحار” يديعوت أحرونوت الإسرائيلية 6/11/1973
” إن حرب أكتوبر كانت بمثابة زلزال فلأول مرة في تاريخ الصهيونية حاول العرب ونجحوا في فرض أمر واقع” الصحفي البريطاني دافيد هيرست
إن من أهم نتائج حرب اكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة “إسرائيل” في مواجهة العرب كما كلفت هذه الحرب “إسرائيل” ثمنا باهظا “. جولدمان ” رئيس الوكالة الصهيونية الأسبق “هذه حرب صعبة.. معارك المدرعات فيها قاسية و معارك الجو فيها مريرة إنها حرب ثقيله بأيامها و ثقيلة بدمائها. موشي ديان بعد 48 ساعة من حرب تشرين التحريرية .
لقد غيرت حرب أكتوبر الخريطة السياسية للشرق الأوسط وحطمت حالة الركود ودعمت من مركز الدول العربية وأظهرت أيضا الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الرجال تحت القيادة التي تتسم بالعزم والتصميم .” بريجادير جنرال كنيث هنت –بريطانيا.