الثورة – هفاف ميهوب:
لا تخلو ذاكرة أيّ شاعر فلسطيني، بل وقصيدته، من نبضِ فلسطين ـ حبيبته.. القصيدة الغاضبة والمقاوِمة والمتوعّدة.. الغاضبة من عدوّها المحتل الإسرائيلي، والمقاوِمة له، والمتوعّدة بالانتقام منه، واسترجاع كلّ شبرٍ من التراب الفلسطيني.
هذا ما تناولناه على مدى نزيف الحياة والكلمات لدى أبناء هذا الشعب، فكيف لا نتناوله في هذه الأيام، ونحن نرى هدير رجال المقاومة، يتعنون بـ “طوفان الأقصى”، مثلما تتعنون القصيدة الصارخة والمتوعّدة بغضب:
“سَنُسوّي البحرَ جيشاً/.. والغيمَ سَدّاً/.. ولحمَنا ملاجئ/ وَنسوّي الماءَ عاصفةً/.. تراتيلَ نصرٍ/.. وندفعُ ظُلمةَ الشاطئ..
نُعيدُ الزهوَ إلى لونِ البرتقال/.. والنّورَ إلى وجه الضحايا/..كي لا تُواري الحقيقة وجهَها في التيه/.. وتصغي لسوءِ النوايا..”..
إنه ما توعّدت به، قصيدة الشّاعر “موسى حوامدة”.. القصيدة الذي ألقاها مع هدير الطوفان، مستدعياً الحبيبة الغائبة عنه.. بلاده الساطعة بوجهها، وإشراقة شمسها.. مستدعياً أيضاً، حكمتها القديمة ونبوءات بساتينها، والجدّات الراحلات ممن وعدهنّ:
“نسوّي رموزَهم فتاتاً وشظايا/.. وصوتَ الرملِ شعراً/.. السماء صدى قصائدنا/ البيوت قلوبنا/
والشهداء أشجاراً.. وندى/.. ونسوّي الضيقَ متّسعاً/ ونرفض أن نهادن/.. نسوي المدى حدوداً/ والفضاء حديداً ومعادن..”.
لقد حوّل جسده إلى وطنٍ للقصيدة.. بلاده التي اتّسع قلبه لاستضافتها، ولتدوين تفاصيل أحداثها وأحلامها وذكرياتها وعذاباتها..
استدار نحو الشّمس، فاستدارت وإياه تغسل وجه الصباح بالأملِ المباح.. دخلت بيارات الصّبر، ومنحت المحبّين ألف شكرٍ وشكر.. رشقت الفضاء بكلماتها، وأزالت الصدأ عن مفاتيحِ الحياة، لتتذكّر الوعد الذي لبّته مقاومتها:
“نسوّي لحمَنا وطناً/.. دموعُ أمهاتِنا خنادق/.. قبور أطفالِنا مُعجزاتٍ/.. وأيديهم بنادق/.. نسوّي كلَّ حبةِ رملٍ بلداً/.. نقسمُ باسمِ الفَجرِ /.. باسم الله/.. أننا عشاقُ فلسطين/.. طيورُ النصر فوقَ رُكامِ الحرائق..”..
وتستمر القصيدة في غضبها وهدير كلماتها، والحكمة فيها وعدٌ يأبى إلا أن تزغرد للنصر، بعد انزياح ظلام المحتل، وبعد أن كتب “حوامدة” ثقته بهذا النصر، قبل الحياة وبعدها:
“كتَبنا على دَرَجِ البَحر/.. على حيطان الصبر/.. أسماء البنات وأسماء الأمهات/.. صورَ اللُّجوءِ والنزوحِ والنكبات..
علَّقنا في سَقفِ السماء/..خارطةَ فلسطين وأسماءَ القرى/.. وأسماء الشهداء.
سنسويّ البحرَ أرضاً/.. والحواجزَ ناراً/.. نسوّي الصفيحَ سدوداً/.. والعصافيرَ قنابل/.. وبلحمنا العاري/.. بدمعِ أطفالِنا/.. بجوعِنا الضاري/.. بأحلامِ موتانا/.. نقاتل..”..