خندق المواجهة

الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
القضايا الوطنية والقومية هل ما تزال تحرك الأدب والفن والشعر ومبدعيه؟
سؤال طرحناه على المبدعين من كتَّاب وأدباء وشعراء ومسرحيين وحتى شريحة الفن التشكيلي كي يفتحوا لنا الباب على مصراعيه لإبداء وجهات نظرهم في المنحى ذاته.
هاجس وطني
الأديب محمد الحفري أشار إلى أنَّ السؤال يحمل في طيَّاته شيئاً من الحيف أو ربَّما الظلم إذا جاز القول على الإبداع وأهله، لأنَّه الهاجس الوطني والهمّ العام لكلِّ مبدع حقيقي، وهناك الكثير من الكتَّاب أبدعوا في كتاباتهم، ويمكن الجزم بأنَّ بعضهم لم يكتب سوى في الاتجاه ذاته.
وتابع حديثه بأنَّه أخلص أشدَّ الإخلاص له في المنحى ذاته، وأنَّ اتحاد الكتَّاب العرب على سبيل المثال أقام مسابقة عن حرب تشرين التحريرية وفاز فيها عدد من الأسماء المهمة على صعيد الكتابة القصصية. والمسابقة كان تاريخها قبل الأحداث الجارية مؤخَّراً وذكرت المثال ليس للتدليل على كلامي فقط وإنَّما للتأكيد على أنَّ القضايا الوطنية والقومية لم تغب عن بال أي سوري لكنَّ الحقيقة الواجب الاعتراف بها أنَّ الأحداث الأخيرة حرَّكت المشاعر وأجَّجتها، وبالتأكيد ستحرّك الأقلام الساكنة أو الخافتة تحت ضغوطات الحياة المعيشية وصعوباتها، ولا بدَّ أن نسمع ونقرأ إبداعات جديدة تتجاوز المألوف وتطير مُحلِّقةً مع الأحلام المشتهاة فقد آن لها أن تتحقق وتصير واقعاً نشهده بأعيننا.
نشاط إنساني رفيع
المخرج حسن عكلا رأى أنَّها خصيصة مهمَّة من خصائص الإبداع الكبرى. المبدعون أثبتوا ذلك في كل الظروف ولا سيَّما التاريخية منها على وجه الخصوص. فالإبداع بوصفه نشاطاً إنسانياً سامياً ورفيعاً لابدَّ سيكون حاضراً في مقدمة أي حراك ومن أي نوع ومهما كان صعباً ومعقداً سيصل إلى حدود التضحيات الجسام وفي المجال ذاته يقف المبدعون باختلاف أنشطتهم في خندق المواجه مع أي عدوان يحدث مُتصدِّين له بكل إمكاناتهم وجهوزيتهم وجهودهم الخلاقة، مُشكِّلين رافعة معنوية متفاعلة مهمة مع كل العناصر الأخرى والتصدي والمواجهة من مواقعها المختلفة كرافعة قويَّة لتُعزِّز الصمود وتدفع باتجاه ردود رادعة حاسمة تزيد من الوتيرة المتسارعة في تحقيق التقدُّم وصولاً إلى دحر العدوان وإحراز النصر.
الإبداع مواكب للأحداث
بدورها الشاعرة صبا بعاج قالت: لنتفق أولاً على أنَّ الإبداع أياً كان مجاله غير محصور بمرحلة أو وقت أو بشر فكيف إذا كنَّا نتحدَّث عن الإبداع الأدبي! ورأت أنَّه لم ينته أو يتقلَّص أو يتراجع حتى يستعيد دوره في خندق المواجهة. إنَّه موجودٌ ومستمرٌّ لا ينضب، ودائماً في خضَّم الخندق يتأهَّب لتصوير ماحدث. إنَّه أمر لايمكن تجاهله، بكافة أشكاله لأنَّه لسان حال الناس ووجدانهم ولواعجهم ومآسيهم وغضبهم وسكناهم منذ الأزل وحتى يومنا الراهن.
وتابعت: إن لم يكن تعبيراً ومواكبة لكلِّ مايحدث على أرض الواقع ومهما كان لا يكون أدباً حقيقياً بل زائف حسب اعتقادها، والتاريخ ببحر كتبه ومخزونه خير شاهد على كل ما تمَّ توثيقه من أحداث وقصص وحيوات العديد من الشخصيات، مُنوِّهةً بأنَّ التوثيق بحدِّ ذاته يعتبر فناً وأدباً من نوع آخر ربما سيختلف لون الإبداع فقط في المرحلة الآنية، بالنفس الإبداعي، وتوجهات الأدب وهمومه الحالية، طارحة مثالاً عن اختلاف النفس الأدبي في الستينيات عن السبعينات، فالألفية الثالثة لأنَّ هموم الناس اختلفت وأفكارهم وأسلوب حياتهم، إضافة إلى اختلاف الدول والسياسات وأنظمة الحكم وتطور شكل الأدب ومضمونه على امتداد العصور، وأشارت إلى عدم إغفال دور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على منهجية الأدب وتناوله لمواضيع لم تكن توجد سابقاً لولا عجلة التطور، خاتمةً حديثها باستنتاج مضمونه: أنَّ الإبداع مرآة الواقع في أي زمن كان ولأية مرحلة وجدت على رأس الخندق إن لم يكن مواجهة بحدِّ ذاته فلكلٍّ سلاحه وسلاح الأدب الكلمة.
حاجة ضرورية
من جهته الفنان التشكيلي خلدون الأحمد أكَّد أنَّ الإبداع والفن في المرحلة الراهنة أصبح حاجة ضرورية ومقدَّسة فنحن أبناء أرض أعطتنا الحبَّ والعطاء، ودور الفنان في الإبداع عبر لغة اللون والتشكيل يكون معطاءً لوطنه بكل الأعمال المقدَّمة بريشته وألوانه ليبدع في تحفيز الرؤية التشكيلية للمشاهد، ورأى أنَّ دوره كبير وواجبه يكون ملازماً لمجريات ما نمرُّ به. فالفنان المنتمي لوطنه بروحه وقلبه وريشته جندي يخوض معركة الوفاء والإخلاص.
كما نوَّه التشكيلي الأحمد لضرورة تقديم كل ألوان التضحية والعطاء الموجودة داخلنا عبر ثقافتنا البصرية التشكيلية، وألانقصِّر بما نستطيع فعله عبر مساحات اللون في العمل الفني؛ بل يجب أن يكون بالمواجهه والعزم والإصرار والوفاء لأرضنا ووطننا معاً وبالحب والإرادة، كما ينبغي أن نرسم دائماً بكل معاني الجمال أروع الصور ولا نتوقَّف عن أداء واجبنا المقدَّس ونقف في صف وقلب واحد، مشيراً إلى أنَّها بالإرادة والوقوف بمسؤولية ووعي ثقافي يأتي دور كلٍّ منَّا عبر اللون والكلمة فالحالة حالة عطاء تنبع من أرواحنا فنعطيها ألواناً صادقة مؤمنة بالوفاء لوطننا. إنَّه نشيد الروح أن نرسم دائماً فيصبح التحدي لكلِّ من يعيق فكرنا نحو الضوء الساطع داخلنا، مُبيِّناً بأنَّ دور المبدعين كبير وعليهم الوعي بكل حواسهم والإصغاء لرائحة أرض أصبحت عشقهم الممزوج بداخلهم وأنشودة حبٍّ تمدهم دائماً بالقوة والعطاء النابع من إرادة قوية وعزم لاتلين، فلكل فنان مساحاته التشكيلية عبر اللون ولغته البصرية ويأتي دور مهمٌّ له بما يُقدِّم من أعمال تعتبر بمثابة نسيج روحي داخلي، حيث يُبصر عمله النور حين ينتهي عزفه الجميل بريشته وحياكته بإحساسه وعطائه ليصوغه إبداعياً للمتلقي فيكتمل مشهده التشكيلي.
خندق المواجهة
النحَّات خالد جازية رأى أنَّه يجب أن يستعيد الإبداع دوره في خندق المواجهة كونه شريكاً أساسياً مع من يحمل البندقية فهما في خندق واحد، وخاصة في ظلِّ الأحداث الراهنة، مؤكِّداً على واجب الانصهار مع هموم وآلام مجتمعه، فالمبدع الحقيقي يتجاوز عصره ويستشعر ماذا سيحصل في المستقبل نتيجة قراءته المعمّقة لمعطيات تُبيِّن مالديه سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، ويتأثَّر دائماً بما يدور في منطقته، ولديه القدرة على التعبير عن الأحداث بلغته الخاصة
كي ينطلق من خلالها لبناء صورة مستقبلية لما سيجري ومدى انعكاساتها على الفرد في المجتمع من خلال رؤيته وقدرته على صياغة المشهد ببراعة حيث يُقدِّم تحليله لما سبق بكلِّ موضوعيَّة وشفافيَّة وبكلِّ مايملك من أدوات تمكّنه منها وتجعله قادراً على ترجمة مايجول بخلده ببراعة وحرفية عالية؟ فاليوم في ظل أحداث مؤلمة تشهدها الساحة الإقليمية واجب على المبدع أن يكون شريكاً حقيقياً للدفاع عن أرضه وحقوق شعبه المسلوبة، فالعمل الإبداعي لا يقلُّ أهميّة عن البندقية لأنهما في خندق واحد في مواجهة أي خطر يُهدِّد وطنه وشعبه، طارحاً مثالاً عن أعمال ناجي العلي وبقائها حيَّة إلى الآن لأنَّها تعبِّر عن آلام وهموم شعبه ووطنه الحزين وتدافع عنها بكل شراسة كما استطاع أن يُحرِّك وجدان الإنسان العربي ويهزُّ مشاعره برؤيته، واعتبره مبدعاً حقيقياً يكون حاضراً دائماً في وجدان الناس من خلال أعماله وقراءته المُعمّقة للمستقبل وشريكاً مُعبِّراً عن الآلام.
يزرعون الأمل
التشكيلي الدكتور فؤاد طوبال اعتبر الإبداع نبض الحياة، واستمراره مواجهة للموت والعدم، ولابدَّ زرع الأمل وتحدي اليأس، واصفاً صوت المبدعين برايات تقود الجماهير وتُعلي صوت الحق وترسم معالم الطريق إلى النصر، حيث لا مكان للحياد، ولكلٍّ دوره حتى لو قدَّم وردة، مُنوِّهاً بأنَّ الصراع بين الخير والشر مستمرٌّ منذ فجر التاريخ جسَّده إبداع الرسام والنحات والشاعر والأديب، عبر الأسطورة والحلم والحقيقة، وتناقلته الأجيال من جيل إلى آخر، لذا يجب على المبدعين استعادة دورهم، وتوضيح موقفهم في مواجهة الشر والظلم، والعمل على نصرة الحق في كل مكان، فالمبدعون يرفعون صوتهم كونهم قادة الرأي في مجتمعاتهم، حيث لا مكان للحياد والرمادية والخوف، لأنَّ الحياة كما يقول توفيق الحكيم: «هدف نرسمه ونمشي إليه بقوة الإرادة».
                      

العدد 1163 –  17-10-2023

آخر الأخبار
انطلاق سوق "رمضان الخير" في دمشق لتوفير المنتجات بأسعار مخفضة المعتقل صفراوي عالج جراح رفاقه في سجن صيدنايا وأنقذ الكثيرين "حركة بلا بركة" تفقد واقع عمل مديريات "التجارة الداخلية" في اللاذقية خسارة ثالثة على التوالي لميلان تكثيف الرقابة التموينية بطرطوس.. ومعارض بأسعار مخفضة برشلونة يستعيد صدارة الليغا باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد"