الثورة- فؤاد مسعد :
في فلسطين السليبة التي بات الدم يجري فيها أنهاراً والأجساد تتآكلها الوحوش الآدمية بأنياب بربرية، تتلذذ بمذاق دماء العزّل أطفالاً نساء وشيوخاً، وتُطرب لمنظر الأشلاء والدمار، هناك يعيش أطفال وفتية تحت رحمة آلة الحرب الهمجية وهم يعرفون تمام المعرفة معنى الخراب والقهر، لا بل ذاقوا الطعم الحقيقي للمرارة والظلم، يشتمّون رائحة الموت تفوح من بندقية مُغتصب مع بزوغ فجر كل يوم جديد، هؤلاء كلهم اليوم باتوا مشاريع شهادة لدى تجار الموت المجاني.
ذاك طفل شوّهت بعض شظايا قنبلة جسده الغض فبترت ساقه واقتلعت عيناه، وذاك فتى أبيدت عائلته على مرأى من ناظريه بفعل صاروخ ذكي واستشهد أصدقاؤه الذين كان يلعب معهم بالكرة منذ أيام في دخلة الحارة، وتلك فتاة فرض جنود الاحتلال حالة منع التجول على أهالي قريتها، اعتقلوا أخاها وهدموا منزلها وهجّروا والدها، وذلك رضيع على ثدي أمه المُدماة تُرضعه رغم الألم والوجع حليب البطولة والإباء والبسالة، وتتالى المشاهد المروّعة في بلدٍ بات عمر كل طفل فيها آلاف السنين، هي مشاهد متكررة منذ خمس وسبعين سنة بأشكال وطرق متنوعة.
بعد ذلك كله بأية عبارات سنتوجه لذاك الطفل وماذا نقول له ؟ هل نمتلك ناصية الكلمات حقاً لنخاطبه أم إنها ستخوننا أمام هول ما يحدث ؟.. هي بعض من تساؤلات يجيب عنها أطفال فلسطينيون عُرضت لهم مقاطع فيديو على صفحات الفيسبوك يؤكدون أن دماء أقرانهم ليست سوى قرابين تزيدهم تشبثاً بالأرض، هم باقون ولن تُرهبهم آلة القتل المجنونة، فمهما استخدم المحتل من أساليب الترهيب لن يثنيهم ذلك عن الحياة وسيبقون أبناء الحياة، ولن يستطيع أحد أن يسلب منهم هذه الروح أو يغتصب ابتسامة طفل ويسرق مستقبله.
المفارقة أنه في هذا الوقت بالذات وبعد كل ما جرى بما في ذلك مذبحة مستشفى المعمداني يوم أمس، عوضاً من أن نشد من أزرهم ربما هم وعبر كلامهم المعجون بالثقة والمجبول بالثبات والإصرار والعزيمة يزرعون في نفوسنا الأمل ويشدّون من أزرنا، فمهما حصل سيبقى المستقبل بأيديهم يكتبونه بشجاعة انطلاقاً من هوية راسخة وانتماء لا يتزعزع.