الثورة – هفاف ميهوب:
من المعروف عن الباحث والمفكّر الكوني “ندرة اليازجي”، تأمّله الطويل في الحياة والإنسان، بهدف معرفة حقيقتهما، مثلما أسرار الكون، وما في أعماق النفس من خفايا، بل وما يعتمل في العقل من أفكار، وسواء أكانت مضيئة، أم غارقة في ظلامها.
نعم، من المعروف عن “اليازجي” تأمله هذا، بل وسعيه للبحث الدقيقِ في كلّ ما أراد منه، معرفة ما ينطوي عليه الوعي الكوني، الوعي الشامل الذي اعتبر بأنه المحرّك الأساسي والأهم لهذه المعرفة…
لا شكّ أن تأمّله هذا، بل وبحثه بشموليةٍ واعية، هما من جعلا معرفته إنسانيّة، فلسفية، كونيّة.. المعرفة التي وجد بأنها سبيل الإنسان إلى التكامل النفسي، وهو الأهم في عالمٍ وجد صراعات النفس فيه تتفاقم، مثلما جهلها بطبيعتها وحقيقتها، وأسباب انفعالاتها، دعا الإنسان إلى فهم نفسه وجوهره، ومن أجل أن يفهم سرّ الوجود، ويدرك بأن حقيقته:
“الحقيقة جوهر واحد وطبيعة واحدة، فما في الطبيعة ماثلٌ فيك، وانفصالك عن الطبيعة الماديّة، والوجود الخارجي، يخلُّ بتوازنك الداخلي. الأمر الذي يقصيك عن معرفة نفسك، وسرّ وجودك.. اعلم أن للطبيعة المادية والعالم الخارجي، نفساً تنبض بالحياة، وأن لطبيعتك البشرية نفساً تنبض بالحياة، وما الأحادية أكثر من توحيد هاتين الطبيعتين، ضمن إطار حقيقة واحدة، والثنائية القائمة بينك وبين الطبيعة الخارجية، ظاهرية وليست جوهرية. الوهم هو ما يعبّر عنها ظاهرياً، والعلم حصيلة التمييز بينك كإنسان، وبين الطبيعة كوجود خارجي، أما الحكمة فإنها توحّد بينك وبين الطبيعة”..
إنها الفلسفة التي استمدّها من تأمله في أسرار “معبد دلفي”، ومن الحكمة المكتوبة على أعمدة هذا المعبد: “اعرف نفسك”.. الحكمة التي اتّخذها الفيلسوف اليوناني “سقراط” شعاراً لمسعاه في سبر أغوار المعرفة، وهي المعرفة التي جعلت “اليازجي” يُدرك ما أدركه حكماء اليونان، دون أن يتوقف لدى هذا الإدراك لطالما، قادته دراسته للفلسفة السياسية، إلى دراسة الفلسفة الأخلاقية والإنسانية والنفسية، وكذلك دراسة الأديان، ومبادئ الحكمة المنتشرة في الثقافات والحضارات والأساطير المختلفة..
كلّ ذلك، جعل منه باحثاً مستنيراً وعميقاً في معرفة نفسه، مثلما أعماق النفس البشرية، التي تقول عنها فلسفته:
“العمق الموجود في الإنسان، لا يعادل العمق الموجود في الطبيعة فحسب، بل ويتجاوزه إلى أعماق كونيّة، ففي معرفة النفس معرفة الطبيعة الأرضية والكونية، الأمر الذي يجعل من هذه المعرفة، مفتاح السرّ لولوجِ هذه الحقيقة”..