ومضات وأدب الذكريات

الملحق الثقافي- حسين صقر:
كثيرون هم من كتبوا عن الماضي، ودونوا مذكراتهم، لما يعتلجهم من حنين للمكان والزمان والأحداث والأشخاص، وحتى التفاصيل الصغيرة من حيواتهم، كيف لا؟! والذكريات هي قطار العمر الذي يتجول في ثنايا الروح والفكر ويجوب مسافات الفرح والسعادة حيناً، والهموم والآلام والحنين حيناً آخر، و الذكريات أيضاً سفينة النجاة التي تبحر في أعماق الذات ونسج العقل المحمل بأحداث الماضي البعيد أو القريب يسترجعها الإنسان تلقائياً عندما يحتاجها.
والذكرى لغوياً ما تستحضره الذاكرة لتقوده إلى اللسان، وتكون طلقته الكلمة ليبقى راسخاً في أذهان المستمع والقارئ، وبالتالي فأدبها تدوين لما حفظته ذاكرة الكاتب من ماضيه أو ماضي من تربطه بهم علاقة، أو تدوين حدث ترك فيه أثراً بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
و الكاتب إذا سجل أحداث حياته بصورة منتظمة، ولفترة طويلة يتحول ذلك بشكل آلي إلى يوميات، وعندها لا يستطيع الخلود إلى النوم قبل أن يستعرض شريط الأحداث التي مرت معه طوال ذلك اليوم، وحيناً بعد حين تتحول تلك الذكريات لتصبح جزءًا من سيرته الذاتية.
وبالعودة لمن كتبوا في الذكريات هم شعراء المهجر، والذين لاتزال أشعارهم وكلماتهم تتربع على عرش الذاكرة، ولعل ما قاله الشاعر شفيق معلوف في لحظات وداع المهاجرين له أبلغ الأثر عند وداع أي عزيز: مناديل من ودّعت يخفقن فوقهم ..فلا ترهقيهم يا سفين وأقلعي.
بعدن فغشّاهنّ دمعي كأنّني أراهنّ من خلف الزجاج المصدع أو ما تذكره الشاعر القروي حين رأى حبات الثلج تتساقط على زجاج غرفته في المهجر وأنشد يقول: ياثلج قد ذكرتني أمي..أيام تقضي الليل في همي
مشغوفة تحار في ضمي..تحنو علي مخافة البرد.
والأمثلة طبعاً كثيرة ولا مجال لذكرها، إنما الذكر لأهمية هذا الأدب في النفوس، والبصمة التي يتركها على وريقات الزمن،
و أدب الذكريات يعتمد حيناً أسلوب السرد بصيغة المتكلم على غرار أسلوبي السيرة الذاتية واليوميات، وفي موقع آخر يعبر عنه الأديب بجنس آخر قد يكون شعراً أو نثراً وقد يكون تأريخاً موجزاً فقط للأحداث.
و الطريقة مهما كانت، يحكمها موضوع الجرأة في بث الشجون.
بمعنى أن يكتب أديب سيرته يعني أن ينكشف، أن يبدع في فن هذه الكتابة، أن يسرد عن نفسه بـشجاعة ووضوح، فلا يُخفي ما يخشى منه «أدب السيرة» بين سرد الذكريات، ليصل بذاته إلى الآخرين، ويحقق المتعة والفائدة للقارئ من ناحية ثانية، حيث بإمكانه تقديم قصة حصلت معه ليوصل معلومة أو موعظة أو هدفاً أو يوصل إحساساً أو شعوراً له.
فأدب الذكرى غالباً ما يفوح كالعطر من وردة في حديقة، وينبجس من أصحاب المشاعر المرهفة والجياشة، والقلوب الدافئة والنقية والذين يرتبطون بالماضي ليستمدوا منه العبر، وجل من نراهم يكتبون عن الماضي هم الحريصون على بقاء العلاقات الاجتماعية الأصيلة، فتراهم يشتاقون للمنزل الذي نشأوا فيه والحي الذي ترعرعوا بين جنباته، والمدرسة التي تلقوا فيها الحروف الأولى.
وكاتبو الذكريات قد تشتعل في داخلهم قصص الحب الأولى، والمعرفة الأولى والصداقة والمصادفة الأولى، وتراهم ينشدون الكتابة عنها والتدوين والتعبير عما يعتلج في نفوسهم، مع حرصهم أن تكون تلك الذكريات جميلة، لأن أحداث اليوم ستصبح غداً ذكرى، وهكذا.
فأدب الذكريات يعبر بشكل واضح عن سلوك الشخص ويعطي صورة عنه، ويعرف به، ولاسيما إذا كان من يطرحه صادقاً مع ذاته، ولهذا عندما نقرأه تنجلي صورة صاحبه أمامنا، ونستطيع فهمها ورسمها وتخيلها حتى لو لم نلتقيه في الواقع، حيث من يكتب هو الروح، وهي الأقدر على اجتياز الحدود و المسافات. 
                            

العدد 1164 –  24-10-2023

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين