الثورة – ياسر حمزة:
قطاع غزّة، هذه القطعة الصغيرة من الوطن الفلسطيني التي تشهد اليوم عدواناً وحشياً من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تمثل المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني، وهي على شكل شريط ضيق شمال شرق شبه جزيرة سيناء، يسمى بقطاع غزة نسبة لأكبر مدنه غزة.
قصة صمود
غزة..مدينة وميناء على البحر الأبيض المتوسط، حوالي 32 كيلومترا شمال الحدود المصرية، ويغطي القطاع حوالي 378 كيلومترا مربعا (حوالي 146 ميلا مربعا) ويمتدّ من شمال شرق شبه جزيرة سيناء على طول البحر الأبيض المتوسط إلى حوالي 40 كيلومترا .
تعد مدينة غزة من أقدم مدن العالم أو بالأحرى من أقدم عشر مدن في العالم ويقال إنها رابع مدينة بنيت على وجه الأرض ، ويعود أول عمران بشري في غزة إلى أكثر من آلاف السنين ،
وصمدت المدينة لنوائب الزمان الكثيرة، حيث نازل شعبها صنوف المحتلين المختلفة؛ وتبدل اسم مدينة غزة بتبديل الأمم التي صارعتها فأطلق الفرس اسم هازاتو عليها، والكنعانيون أسموها هزاني، أما المصريون فأسموها غازاتو، وسماها العرب غزة هاشم نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي مات فيها وهو عائد بتجارته إلى الحجاز.
واكتسب موقع مدينة غزة الجغرافي أهمية خاصة، حيث إنه واقع على أبرز الطرق التجارية بالعالم القديم، تلك التي بدأت من حضرموت واليمن وانتهت في بلاد الهند. كما أن لغزة أهمية عسكرية كبيرة، نظرا لكونها صلة الوصل بين مصر والشام، وكان الاستيلاء عليها يعني بداية السيطرة على طرق الحرب والتجارة بين آسيا وإفريقيا.
وكان لموقع غزة المتميز على حافة الأراضي الخصبة العذبة المياه، التي تأتي مباشرة بعد برية سيناء الأثر في وجودها وبقائها وأهميتها، فهي المحطة الطبيعية لكل من الآتين من مصر العربية، ووجهتهم إلى بر الشام، كما أنها المحطة الأخيرة لكل قادم من الشام ووجهته مصر، فهي ملتقى القوافل قبل دخول البادية، فيها يستكملون ما يلزمهم قبل المرور بالصحراء أثناء طريقهم إلى مصر. وتشير الدراسات الجغرافية إلى أن مدينة غزة القديمة قد بنيت على تل يرتفع زهاء (45) متراً فوق سطح البحر.
وقد تطور عمران المدينة أسفل التل من نواحي الشمال، والشرق والجنوب، ولم يمتد باتجاه الغرب إلا أخيرا ، فأصبح موضعها الطبوغرافي يتألف من الموضع القديم، ويشغله جزء من حي الدرج ، وجزء من حي الزيتون. ومواضع التوسع في جهات الشرق والشمال والجنوب من التل، وتضم أحياء الشجاعية والتفاح، وجزءاً من حي الزيتون، وموضع الامتداد نحو الغرب، ويتألف من كثبان رملية غرست الأشجار في بعض أجزائها لصد زحف الرمال.
سكنها الكنعانيون وقاموا بتطوير مراكز المدينة، وكانوا أول بناتها، ثم سكنتها قبائل عربية وأضفت عليها طابعا عربيا مميزاً لا يزال قائمًا حتى اليوم ، وحين شيد القدماء غزة بنوا أول قرى لهم على أراضي الرعي التابعة لوادي غزة ، وعاش السكان الأوائل على زراعة الحبوب والصيد البري ، وصيد السمك في وادي غزة ، ويعتبر تل العجول الواقع على الجهة الشمالية من وادي غزة أول عاصمة سياسية للمنطقة.
سيطرة أجنبية
تعرضت مدينة غزة لغزوات عديدة عبر التاريخ ,فقد سيطرت مصر الفرعونية على غزة، واختار الفراعنة المدينة لتكون العاصمة الإدارية للحكم المصري في بلاد كنعان خلال معظم العصور البرونزية ، وقد أسهم دور غزة كميناء للفلسطينيين في العصر الحديدي المبكر (1200- 105) قبل الميلاد في صعود مكانة المدينة .
وورد ذكر المدينة في رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، وهي أول مدينة فلسطينية تدخل السجلات التاريخية ، فالنصوص المصرية القديمة تذكرها كمدينة رئيسية منذ أواسط العصر البرونزي حيث كانت غزة تحتل موقعا هاما في العالم القديم، فهي أقرب المدن الفلسطينية لمصر وهي على الطريق التجاري السوري المصري ، كما كانت ميناء لطرق القوافل الآتية من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام .
ولم تقل أهميتها التجارية من منزلتها الحربية، فكانت مصر تقدم مساعدتها لها في أي ثورة تنشب فيها ، ولما تمردت على الآشوريين في عهد (تيجلات بيلسر) الثالث أرغم حاكمها على الفرار وبقي في مصر حتى وفاة بيلسر .
ولما ولي (شلمانصر) الخامس العرش ، ساعدته مصر في العودة إلى غزة وخلع الوالي الآشوري وطرد الحامية الآشورية ، ولكن الآشوريين ضربوا هذا الحلف ، وإلى ذلك يشير نص من حوليات سرجون الثاني أن حاكم غزة وقع اتفاقاً مع الفرعون وهذا الفرعون استدعى قائده لمساعدته (هانو).
ويقع الجزء التاريخي المهم من غزة في وسط المدينة الحالية ، وقد دلت الحفريات على أن المدينة كانت محاطة بسور عظيم مع أبواب، أهمها باب مايوماس مقابل البحر، وباب عسقلان في الشمال ، وباب الخليل في الشرق.
وكان يتم إغلاق البيوت عند غروب الشمس ككل المدن الشامية فتصير المدينة كالقلعة بوجه الأعداء ، ثم توسعت المدينة في الفترات اللاحقة باتجاه الشمال والجنوب والشرق.
وعلى الخارطة البيزنطية الفسيفسائية في مأدبا التي يعود تاريخها إلى السنوات الأخيرة من حكم جيستنيان 527 ــ 556 ميلادي تبدو غزة ثاني أكبر مدينة في فلسطين بعد القدس .
وسكنها العناقيون فترة ثم استرجعها الفلسطينيون ، وبقيت إحدى مدنهم الخمس باتجاه الجنوب إلى أن جاء شمشون، فحطم أبواب أسوارها ونقلها إلى جبل مجاور للمدينة نحو الجنوب الشرقي ويعرف اليوم بجبل المنطار ، ثم أسر فيها .
وكان الإسكندر الأكبر أقسى من تعامل مع غزة وسكانها، فقد نكل بهم لأنهم رفضوا الاستسلام إلا بعد حصار طويل ، وهدم لأسوارها، وعندما رأى الإسكندر دفاعها عن حريتها إهانة له قام بمجزرته المشهورة وذبح الكثير وهناك من يقول عشرة آلاف رجل من أهل المدينة وباع ما بقي منهم أحياء كعبيد ، لينتقم من أهل غزة ، وأخذ الإسكندر والي المدينة ووضع في قدميه المسامير وربطه وراء العربة التي تجرها الخيول وتركهم يركضون حول المدينة إلى أن مات.
ومن بين كل المدن الشامية كانت غزة المدينة الوحيدة التي لم يحتلها كورش الأكبر بسهولة ودافعت عن نفسها بكل بسالة ، واحتلها بومبي الروماني سنة 62 ق.م وضمها إلى ولاية سورية ، وكانت غزة من أوائل المدن الشامية التي تحررت من الحكم الروماني على يد العرب .
وقد كان العهد التركي عصيبا نظرا للفترة الطويلة التي بقيت فيها الجيوش التركية في فلسطين ومدنها المختلفة ومن بينها مدينة غزة (1515-1916) حيث ساد الجهل والتخلف الاقتصادي والاجتماعي بين أهل مدينة غزة.
و بعد احتلال الجيش البريطاني لفلسطين في عام 1920، فرض البريطانيون قوانين الطوارئ على أهالي المدن الفلسطينية ومن بينهم أهالي مدينة غزة، وتعتبر تلك القوانين الأكثر عنصرية في التاريخ المعاصر.