الثورة _ رنا بدري سلوم:
رغم انقطاع الإنترنت لتكميم الأفواه، وتشويه الحقائق، تواصل مواقع التواصل الاجتماعي نشر وجه الحقيقة وكشف آثار العدوان الإسرائيلي الذي يفوق التصور الإنساني، عن قصص الصمود والمقاومة والعنفوان، مقابل الموت والانكسار، قصص استهدفها العدو المتابع لكل شاردة وواردة، كقصة الصحفي الفلسطيني وائل دحدوح الذي فقد أفراد أسرته بعد أن استهدفهم العدو الغاشم، ليرد دحدوح بالقول ” بينتقموا منا بالأولاد معليش!” وهو كان بالأمس القريب في لقاء تلفزيوني مع أسرته يتحدث عن العمل الإعلامي وتحمّل أسرته مهمته الصعبة التي تأخذه منهم لساعات وأيام، رحلت الأسرة بأكملها وبقي ومهمته والقضية قضية وجود, بهذا الصمود والجبروت والعنفوان اعتدنا أن يتحلى الفلسطينيون بهذه الروح.
استوقفني فيديوهات لأطفال فقدوا آباءهم ولم يهنوا ولم يحزنوا، يحكون بين بعضهم عن الجنة التي يوعد بها الشهداء، يقدسون الشهادة، ويعيدون نسج الحياة من جديد وتعود حركة الحياة إلى طبيعتها، مشاهد أخرى لنسوة يعجنّ أرغفة الخبز في الهواء الطلق بعد أن دمّر العدو الإسرائيلي بغاراته الهمجية المنازل على رؤوس أصحابها فبقي منهم ما بقي، واستشهد من طلب الشهادة، تقول الطفلة ماريا غزّاوي في فيديو لها “أبي في الجنة طلب الشهادة فنالها”، وتوجه حديثها للقتلة “سنبقى هنا ولن نخاف حتى تعود لنا أرضنا السليبة ولا تظنوا أنكم أقوياء أنتم جبناء بدليل أنكم تقتلون الأطفال الأبرياء ونحن لن نهابكم أبداً”.
قصص يشيب لها شعر الرأس لفظاعتها، كالفتاة التي ترسل لصديقتها أنها تحت الأنقاض وهي تكتب “سقف البيت على جسدي والجوال في يدي ولا أستطيع التحرك ولا أسمع أي صوت لأهلي لا أعلم إن كنت سأموت كما أنا”. قصص يتابعها العدو الصهيوني ليتعلم البطولة والثبات والعزيمة، رغم أن القلوب قد بلغت الحناجر، ولاسيما القلوب الصغيرة التي لا حول ولا قوة لها، يعلّمون العالم كيف يتمسّكون بأرضهم يتشبثون بها لآخر رمق، غزّة تروى بدماء الشهداء الأطهار، تنجب الأمهات ويستشهد الأطفال ويقاوم الكبار آلامهم وأحزانهم وهم على يقين أنهم أصحاب حق وقضية، لا يساومون ولن يسامحوا كل من وقف بصمت يشاهد هذه الآلام، ومع كل ذلك يؤمنون أنهم باقون لأنهم أبناء هذه الأرض بحجارتها وبرّها وبحرها وسمائها ويستحقون الحياة.
