محمد شريف جيوسي – كاتب أردني:
أعجب للذين يصبّون جام غضبهم على الأمة وعلى العالم الإسلامي والشرعية الدولية وحقوق الإنسان والمجتمع الدولي والأمم المتحدة، لأنهم لم ينتصروا كفاية أو بما فيه الكفاية لفلسطين ولأرواح الشهداء من أطفال ونساءٍ ومسنين وذوي احتياجات خاصة ومرضى سقطوا على كل خارطة فلسطين منذ أكثر من قرن من الزمان حتى الآن.. ويبالغون في عتبهم أو غضبهم، وكأنهم يمهدون لأشباه كامب ديفيد أو أوسلو أو وادي عربة.
وننسى أنه منذ أقيمت أول مستعمرة صهيونية على الأرض الفلسطينية ( قبل مؤتمر بال الصهيوني ووعد بلفور ومؤتمر الصلح بعقود ) أصبح العالم يتوجه لأن يكون أقل أمناً وعدلاً واستقراراً، ومع قيام الصهيونية نشبت حربان عالميتان، وقتل عشرات الملايين من البشر، وتمادت صناعة الأسلحة والحروب والفتن والدمار والإرهاب وتجارة المخدرات والبشر وتبييض العملة والشذوذ.. وأخذت كل هذه اللعنات شكلاً مؤسساً بقيام الكيان الصهيوني، فبلغت الإمبريالية الأوج، وتوجت بسقوط المنظومة الاشتراكية، وإعادة تقسيم العالم وإسقاط أنظمة وإحتلال أخرى.
وتفردت الولايات المتحدة الأمريكية بحكم العالم دون قيود، وبدا ظهر واشنطن والغرب والنيتو والـ 7 الـكبار بوجود إسرائيل (الحاكم الناهي ) في المنطقة؛ محمياً آمناً، وليس هناك ما يقلق.
لقد توفر الغرب والنيتو والـ 7 الكبار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حكم العالم والتسلط على ثروات وحريات ومقدرات ومصائر الأمم والدول والشعوب، مع دعم الصهيونية لهذا النظام العالمي وليس العكس، وإن بدا الأمر غير ذلك، إلى حد أن الصهيونية أصبحت تحكم المنظومة الحاكمة للعالم بموجب قوانين (وطنية) صاغتها أنظمة الغرب قي خدمتها، حيث يجرم من يفكر بتجاوزها بأقسى التهم والعقوبات، واغتيال الشخصية أبدياً بتهمة معاداة السامية.
بهذا المعنى فإن إسقاط النظام العالمي المستبد الراهن، واستبداله بنظام عالمي جديد ـ يلغي هيمنة عملات الغرب وعلى رأسها الدولار، ويشطب الحاجة لمجمعات صناعات عسكرية منها أسلحة الدمار الشامل خاصة، ويتبعها أو يستبقها بإسقاط منظومات الفساد العالمي والفتن والتطرف والإرهاب والحروب وقلب الأنظمة والثورات الليلكية، ويعتمد أنظمة تنمية خضراء وطاقة نظيفة حافظة للبيئة والحياة البشرية والطبيعة ـ يستدعي إسقاط الصهيونية، وتحرير المنطقة العربية ومحيطها منها.
ذلك أن صعود الإمبريالية وأنظمة الاستغلال والحروب والدمار وسرقة الشعوب، تزامن مع صعود الصهيونية في المنطقة العربية و في فلسطين ومحيطها خاصة، متبادلاً معها الدعم والأدوار والخدمات والطغيان، وعليه ستسقطُ الإمبريالية بإسقاط الصهيونية في المنطقة العربية وفي فلسطين خاصة، فمن يمتلك هذه المنطقة على مدى التاريخ يحكم العالم، نظراً لما تتمتع به من مزايا لا تتمتع بها مجتمعة أي منطقة في العالم.
ومن هنا رأينا كيف تداعت البوارج الحربية الإمبريالية خلال 48 ساعة قبالة شواطيء فلسطين، إثر عملية 7 تشرين أول 2023، (المتزامنة مع الذكرى الـ 50 لحرب تشرين المجيدة )، نظراً لما أصابها من رعب تفهم تداعياته جيداً، بأن سقوط إسرائيل إنما يعني سقوط الإمبريالية بالضربة القاضية أو بسواها، وأسرع من كل التوقعات، وسيعجّل خروج الإمبريالية من مناطق نفوذها أو أطماعها بأشد الخسائر قسوة، من أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية ووسطها، وسيعيد الولايات المتحدة إلى مرحلة ما قبل قيامها، عصابات تشليح وكاوبوي وجريمة بلا جذور من أي نوع؛ قومية أو دينية أو تاريخية أو حضارية.
لذا أرى أن تحرير العالم من نظام القهر والعسف والطغيان والأزمات والحروب والشذوذ، سينطلق من هنا كما بدأ هنا على يد الصهيونية قبل أكثر من قرن، وأقول للشعب الفلسطيني أن العالم هو مَن بحاجة لأن تنتصر له وليس العكس، فلا تعتب على أحد ولا ترتجي من أحد.. وأن نوع وحجم التضحيات الكبير جداً يتناغم مع أهميته الاستثنائية على مستوى العالم والتاريخ وليس المنطقة فحسب، فالنصر الذي ستهدوه فلسطين ومحورها للعالم انطلاقاً من المنطقة كبير جداً وتاريخي غير مسبوق، وما من نصر تم دون تضحيات نوعية، وغالباً ما يقدم المنتصر تضحيات أكبر من المنهزم، ودليل هزيمتهم تركيزهم على قتل المدنيين، وهو تركيز لا يحقق نصراً، لكنه يكرس العزم والعزيمة على النصر الحاسم الذي لا مناص عن تحقيقه، وإلحاق هزيمة شاملة بالصهيونية وحليفتها الإمبريالية، على يد هذا الشعب البطل ومحوره، بعد 75 سنة من نضالات لم تتوقف وتماد في الطغيان لم يرعوي.