الثورة – لميس علي:
وغالباً.. هو سارقٌ للعقول.. بمعنى يقوم بتنشيطها وتجديد دورة الدماء فيها عبر ما يبثّها من أفكار..
إذاً.. وعلى مر العصور، ووفق مختلف التجارب البشرية، من هو سارقُ القلوب الأجمل..؟
إن كنتَ مدمناً على استماع الأغاني الفيروزية الصباحية.. وإن كنتَ ممن تسرقك ألحان، كلمات، وشخصيات تلك الأغنيات.. فأنت حتماً تدرك كيف يصبح الفن سارقاً للقلوب.
فالإبداع عبارة عن وجبات منشّطة لموجة الحياة داخلنا، شرط أن يكون حقيقياً وأصيلاً..
وصفة تقينا من بشاعةٍ محيطة، وتطهّر أصل الإنسان فينا..
هل يدرك كل من يشتغل بالفن وظيفته الأسمى تلك..؟
الكثير من الفلاسفة أدركوا أهمية الفن/الإبداع، وربما خطورته.. وثمة كتابات صدرت عن علاقة فلاسفة القرن العشرين، بأحد أهم الفنون البصرية تأثيراً، “الفن السابع”، كما انتشرت عناوين من مثل (فوكو يذهب إلى السينما) و(دولوز في السينما).. دون نسيان مؤلف “جيل دولوز” الأبرز عن السينما (الصورة، الزمن).
مع “دولوز” يمكن قراءة السينما بعيونٍ فلسفية.. كيف يلتقط على سبيل المثال، ثيمة الوجه سينمائياً (تُعتبر إمكانية التقرّب من الوجه البشري هي الابتكار الأول والميزة الكبرى للسينما).
في حديثٍ ل(دولوز) عن “ماهية العمل الإبداعي”.. يحاول الإجابة عن تساؤل: ماذا يعني أن يكون لدينا فكرة في السينما.. (وجود فكرة شكلٌ من أشكال الاحتفال. فالأفكار لابدّ من معاملتها على أنها نوع من الاحتمالات “الإمكانيات”).
يفسّر (دولوز): “الصوت يتكلم عن شيء ما، والصورة تقول شيئاً آخر.. ما نسمعه هو تحت ما نراه.. بمعنى آخر.. بينما اللفظ يرتفع في الهواء، يخاطبنا، يغوص في الأرض ما يحدّثنا عنه. وليس هناك سوى السينما يمكنها فعل ذلك.. تضمن تحولاً حقيقياً للعناصر) ليؤكّد: دورة العناصر الكبرى هي التي تجعل السينما تلاقي صدى.
حالياً.. وبما أننا في زمن انتشار الأعمال الدرامية على منصّات العرض التي توفر إمكانية تقترب من الشرط السينمائي.. فلكل مشاهدٍ/متابع شاشته الخاصة..
هل تراعي تلك المنصات حضور “أفكار” ذات قيمة تضمن تحولاً في العناصر كمثل ذاك الذي أشار إليه “دولوز”..؟
أليست الدراما التلفزيونية مهما كانت ذات إمكانيات بسيطة قياساً إلى السينما، أليست فناً بصرياً..؟
على ماذا تعتمد تلك النماذج المعرّبة التي باتت تسوّق لنا على أنها أضخم وأهم إنتاج عربي حالي..؟
نماذج من (كريستال، والخائن) هي بالطبع تعتمد على العنصر البصري من ديكور، أزياء، جماليات مكان التصوير “اللوكيشن”..
هل تصنّف على أنها أعمال فنية سارقة للقلب والعقل على السواء..؟
هي تخطف البصرَ لبعض الوقت.. لكنها لا تلامس دورة تحوّل حقيقية في العناصر.. ويستحيل لضعفها وهشاشة أفكارها أن تلامس القلوب فكيف لها أن تسرقها أو تحاكي العقول..؟
وعن إمكانية التقرب من الوجه البشري التي تحدّث عنها “دولوز” وفّرت هذه الأعمال مثل هكذا تقرّب، لكن السؤال يتجه نحو طبيعة تلك الوجوه ومدى حقيقيتها وصدقيتها.. تماماً كما وجهي بطلتي “الخائن”..
فأيّ شيء يخطر ك كمشاهد حين رؤية تلك الوجوه الممتلئة انتفاخاً..؟
نسبة الإبداع في هذه النوعية الدرامية بائسة قياساً للفن الرحباني..
وربما يرى البعض أن المقاربة بين الفنين غير دقيقة..
للصراحة.. هي ليست مقاربة.. إنما إشارة إلى أثر لا يغادرنا بسهولة، يحفره الإبداع داخلنا.. وربما أعاد تشكيلنا بمفردات جماله وحدها.